قال النووي: "وفي ظاهر هذه الأحاديث دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعة وأما قوله ـ تعالى ـ {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 1 {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 2 ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يدخل بها الجنة فلا يعارض هذه الأحاديث بل معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها وقبولها برحمة الله ـ تعالى ـ وفضله فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل وهو مراد الأحاديث، ويصح أنه دخل بالأعمال أي: بسببها وهي من الرحمة والله أعلم"3.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله ـ تعالى ـ: "الأعمال أسباب لا أعواض وأثمان والذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم في الدخول بالعمل هو نفي استحقاق العوض ببذل عوضه فالمثبت باء السببية والمنفي باء المعاوضة والمقابلة وهذا فصل الخطاب في هذه المسألة" اهـ4.
وهكذا جمع أهل العلم بين الآيات القرآنية التي ظاهرها أن الإنسان يدخل الجنة بعمله وبين الأحاديث التي دلت على أن الجنة لا يدخلها أهلها إلا برحمة الله وبمعرفة هذا الجمع بين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة يتضح الرد على القدرية النفاة الذين يثبتون الأحكام بالعقل، ويوجبون على الله ثواب الأعمال، كما يوجبون أن يفعل الأصلح للعباد، ويمنعون خلاف هذا، وقولهم هذا صادر عن اختراعاتهم الباطلة التي مضمونها نبذ نصوص الشرع وراء ظهورهم وتحكيمهم عقولهم الفاسدة5.
كما يتضح من الجمع السابق الرد على القدرية الجبرية الذين يلغون دور العمل في دخول الجنة، وينكرون أن يكون سبباً في النجاة من النار وكلا القولين باطلان بشهادة النقل والعقل والفطرة، وقول كل من الطائفتين مشتمل على خطأ وصواب.
فالقدرية النفاة: أصابوا في إثبات السببيّة وحالفهم الخطأ في إثبات المعاوضة.
1- سورة النحل آية: 32.
2- سورة الزخرف آية: 72.
3- شرح النووي على صحيح مسلم 17/160 ـ 161.
4- مفتاح دار السعادة 2/92، وانظر حادي الأرواح ص 61.
5- انظر المغني لعبد الجبار بن أحمد 14/172 وما بعدها، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم 17/160، وانظر مفتاح دار السعادة لابن القيم 2/92.