قد قاموا بدور عظيم في الجهاد والعناية بكل ما يدعمه وينمى جيوشه وأساطيله، فلا يعنى هذا أن هذه الأمور طغت عليه فلم يتميز بجوانب أخرى.
لقد برزت الناحية العلمية- التى قادها علماء كبار- في شتى التخصصات، في التفسير والحديث والفقه والتاريخ والتراجم واللغة وغيرها، كما عنى علماء هذا العصر بالتأليف الموسوعي، وهذه المؤلفات وإن كان يغلب عليها الجمع والنقل عن السابقين، إلا أنها لا تخلو من بحوث لموضوعات جديدة، كما أنها حفظت لنا كثيرا من كتب السابقين المفقودة.
لقد برز في هذا العصر أعلام أمثال: النووي والعز بن عبد السلام، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وبدر الدين بن جماعة، كما برز الذهبى والصفدي وابن حجر العسقلافي، والبدر العينى، وابن تغري بردي والمقريزي والسيوطي والقلقشندي وغيرهم ممن أصبحت مؤلفاتهم- في العصر الحاضر- من أشهر المؤلفات وأكثرها فائدة للعلماء والباحثين.
ولم يكن العلماء قابعين في بيوتهم للتأليف والجمع فقط وإنما كانوا يقومون بدور كبير في التدريس والقضاء، والأمر بالمعروف والهي عن المنكر، وقد وجد في هذا العصر من كانت له مواقف مشهودة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كالإمام النووي [توفي سنة 676 هـ] الذي كتب إلى السلطان الظاهر بيبرس من ضمن ما كنب يقول- في جواب على جواب السلطان الذي يحمل التوبيخ والتهديد-: " وأما أنا في نفسي فلا يضرني التهديد ولا أكثر منه، ولا يمنعنى ذلك من نصيحة السلطان فإني أعتقد أن هذا واجب علي وعلى غيري، وما ترتب على الواجب فهو خير وزيادة عند الله تعالى.... " [1] ، أما مواقف العز ابن عبد السلام وشيخ الإسلام ابن تيمية فهي مشهورة. [1] ترجمة النووى للسخاوى (ص: 42) ، وحسن المحاضره (2/ 100) ، وانظر: تفاصيل موقف النووي ورسائله في هذا الموضوع في المصدرين السابقين، في ترجمته للسخاوي (ص: 40- هـ ه) ، وحسن المحاضرة (2/97- 5 10) .