وعند المعتزلة كل من أثبت الصفات، وأثبت القدر فهو من حشو الناس وعامتهم فلا يعتد بكلامهم في العقيدة؛ لأنهم لم يتعمقوا تعمقهم في التأويل، ولا ذهبوا مذاهبهم في الإنكار والتعطيل؛ فكل من آمن بظواهر النصوص وأثبت ما دلت عليه، ولم يشتغل بصرفها، وتأويلها، فهو عندهم حشوي بعيد عن التحقيق.
وكذلك الأمر عند الأشاعرة والماتريدية؛ فكل من أثبت الصفات الخبرية ولم يؤولها ويصرفها عن ظاهرها، عدوه حشويًا، كما سيتضح لنا ذلك من ذكر نماذج من أقوال الفرق التي نبزت أهل السنة والأثر بهذا اللقب.
الفرق التي نبزت أهل السنة بلقب "الحشوية" ونماذج من أقوالهم:
يعد هذا اللقب من أكثر الألقاب ذيوعًا وورودًا في كتب مخالفي أهل السنة؛ وذلك لكثرة الفرق التي رمت أهل السنة به، فلا أدري أهو مما تواصوا به، أم تشابهت قلوبهم، فاتفقت أقوالهم على وصم أهل السنة والأثر به؟ وسأورد فيما يأتي ذكر الطوائف والفرق التي رمتهم بذلك مع ذكر نماذج من أقوالهم التي يتضح منها أنهم يعتبرون القول بما دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة في باب الصفات حشوًا والقائلين بذلك حشوية.
1- المعتزلة:
وهو أول من تولي كبر ذلك؛ إذ أول من عرف أنه تكلم في الإسلام بهذا اللفظ عمرو بن عبيد1 "80- 144 هـ" رئيس المعتزلة -فقيههم وعابدهم2
1 تقدمت ترجمته ص 53.
2 وهناك رأي آخر يقول إن أول من أطلق لفظ "الحشوية" هو الحس البصري "ت 110 هـ"، وأنه أطلقه على أناس كانوا يجلسون في حلقته فلما أنكر كلامهم قال: ردوهم إلى حشو الحلقة أو حشا الحلقة، وأقدم من وقفت عليه ذكر عليه: ابن النجار "ت 972 هـ" في شرح الكوكب المنير 2/ 147، ط. جامعة أم القرى، والسبكي فيما نقله عنه التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 167؛ لكن النص لم يبين لنا من هم هؤلاء الذين قال فيهم الحسن ذلك، ولا القول الذي قالوه حتى قال فيهم ما قال، وإن كان الكوثري ذكر أن هؤلاء الذين قال فيهم الحسن ذلك قوم من رعاع الرواة، وأنهم تكلموا بالسقط، ولا أدري من أين له ذلك؛ لأني لم أجد من ذكره غيره، لذا أعرضت عنه. انظر: تبيين كذب المفتري ص11.