الأمر الثالث: معاني الوسطية المثبتة لهذه الأمة
تقدم في أول التمهيد شرح معنى الوسط والتوسط في اللغة، وفي لسان الشرع، وأريد هنا أن أبين معاني الوسطية المثبتة لهذه الأمة في قوله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [1].
فالذي يتلخص لنا مما تقدم[2] أن للوسطية المشار إليها في الآية الكريمة ثلاثة معان:
المعنى الأول: العدالة
وهذا المعنى نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية فقال: بعد أن تلا الآية: "والوسط: العدل"[3]. وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} ، قال: عدولًا"[4]. وروي هذا التفسير موقوفًا عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما[5].
ولذلك جعل الله هذه الأمة شاهدة على الناس، ورتب هذه الشهادة على كونها وسطًا؛ أي: عدلًا؛ إذ العدالة من شروط قبول الشهادة.
والوسط في حقيقته يتضمن معنى العدل؛ وإنما سمي العدل: "وسطًا"؛ لأنه لا يميل إلى أحد الخصمين.
"فالوسط في الأصل: هو اسم للمكان الذي تستوي إليه المساحة من [1] سورة البقرة آية 143. [2] انظر: ص 15 وما بعدها. [3] خ: كتاب التفسير، سورة البقرة 8/ 171 ح، وهو طرف من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وسيأتي بتمامه. [4] جامع البيان عن تأويل آي القرآن 3/ 143، ح 2168. [5] نفس المصدر 3/ 144- 154.