الجوانب في المدور، ومن الطرفين في المطول، كمركز الدائرة ولسان الميزان من العمود، ثم استعير للخصال المحمودة لوقوعها بين طرفي إفراط وتفريط"[1].
فكما أن جميع الجهات تتساوى أبعادها بالنسبة للوسط؛ فكذلك العدل يتساوى لديه الخصمان ولا يميل إلى إحداهما. فإذا مال لم يكن عدلًا ولا وسطًا.
المعنى الثاني: الخيرية
فمعنى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} ؛ أي: خيارًا. قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: "يقول تعالى: إنما حولناكم إلى قبلة عإبراهيم علي السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأن الجميع معترفون لكل بالفضل. والوسط هاهنا: الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسبًا ودارًا؛ أي: خيراها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطًا في قومه؛ أي: أشرفهم نسبًا"[2] فالوسط من كل شيء خياره، وقد تقدم ذلك في معاني الوسط في الغلة في أول التمهيد[3].
وقد أخبر الله عز وجل عن خيرية هذه الأمة بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [4].
المعنى الثالث: أن الوسط في الآية بمعنى الاعتدال والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط:
وهذا المعنى اختاره الإمام ابن جرير الطبري في تفسير الآية فقال: "وأنا أرى أن "الوسط" في هذا الموضع، هو الوسط الذي بمعنى: الجزء الذي هو بين الطرفين، مثل "وسط الدار" محرك الوسط مثقله، غير جائز في "سينه". [1] أبو البقاء: الكليات 5/ 39. [2] تفسير القرآن العظيم 1/ 275. [3] انظر: ص 15 وما بعدها. [4] سورة آل عمران آية 110.