التخفيف، قال: وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم "وسط"؛ لتوسطهم في الدين؛ فلا هم أهل غلو فيه، غلو النصارى الذين غلوا بالترهيب، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه، تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك إذا كان أحب الأمور إلى الله أوسطها"[1].
وكل من هذا المعاني الثلاثة صحيح، والآية صالحة للجميع، وهي معان متلازمة مترابطة؛ فالعدول، لا يكونون إلا خيارًا، بل لا تتوفر العدالة إلا في خيار الناس لا في فساقهم وسفلتهم فإنهم ليسوا مظنة عدالة.
والخيار لا بد أن يتصفوا بالعدالة؛ فإذا كانوا ظلمة جائرين فليسوا بخيار.
وأما التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وبين الغلاة، والجفاة، فإنه عدل واعتدل. وهو خير من الميل إلى أحد الطرفين المذمومين.
وهذه الأمة أمة وسط بين الأمم بكل ما تدل عليه كلمة "وسط" من معنى؛ فهي خير الأمم وأفضلها وأشرفها وأكملها كما أخبر الله بذلك عنها، وهي أعدل الأمم ولذلك أعدها الله لتكون شاهدة على الناس، وهي آخذة بمركز الوسط بين الإفراط والتفريط والغلو والتقصير.
ولتفصيل هذه المعاني الثلاثة للوسطية، جعلت هذا الباب في ثلاثة فصول:
الأول: في عدالة هذه الأمة.
الثاني: في خيرية هذه الأمة وفضلها.
الثالث: في اعتدال هذه الأمة وتوسطها بين طرفي الإفراط والتفريط والغلو والتقصير. [1] جامع البيان 3/ 142.