ولا دين {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [1].
فالعدل حق لكل الناس جميع الناس، لا عدلًا بين المسلمين بعضهم وبعض فحسب، ولا عدلًا مع أهل الكتاب دون سائر الناس؛ وإنما هو حق لكل إنسان بوصفه "إنسان" فهذه الصفة -صفة الناس- هي التي يترتب عليها حق العدل في المنهج الرباني، وهذه الصفة التي يلتقي عليها البشر جيمعًا، مؤمنين وكفارًا، أصدقاء وأعداء، سودًا وبيضًا، عربًا وعجمًا، والأمة المسلمة قيمة على الحكم بين الناس بالعدل -متى حكمت في أمرهم-[2].
العدل واجب على هذه الأمة، ولو كان فيه مراغمة لعواطف البغض والعداوة، {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} ، وهو كذلك واجب، ولو كان فيه مراغمة لكافة عواطف الحب والمودة والقرابة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [3]. والأمة مأمور بأن تقوم بالعدل والقسط والشهادة لله وليس لأحد سواه، وأن يكون ذلك منها بدون اعتبار لدوافع الحب والولاء والقرابة، أو البغضاء والشنئان والعداوة؛ لأنهما إنما تقوم بالعدل والقسط بين الناس لله وبأمر الله.
ولاعدل بهذه الصورة الشاملة، لم تعرفه البشرية قط إلا على يد هذه الأمة، ولم تنعم به البشرية قط إلا تحت حكم الأمة المسلمة. [1] سورة النساء آية 58. [2] سيد قطب، في ظلال القرآن 2/ 414. [3] سورة النساء آية 135.