في بطنه بالقدح، وقال: استويا سواد؛ فقال: يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، وقال: "استقد" قال: فاعتنقه فقبل بطنه؛ فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله! حضر ما ترى؛ فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقاله، له"[1].
وجاء يهودي يشتكي إليه أحد أصحابه قائلًا: يا محمد! إن لي على هذا أربعة دراهم، وقد غلبني عليها، قال: "أعطه حقه". قال -أي: الصحابي: والذي بعثك بالحق؛ ما أقدر عليها، قال: "أعطه حقه"، قال: والذي نفسي بيده؛ ما أقدر عليها، قد أخبرته أنك تبعثنا إلى خيبر؛ فأرجوا أن تغنمنا شيئًا فأرجع فأقضيه. قال: "أعطه حقه". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال ثلاثًا لم يراجع[2].
وكان صلى الله عليه وسلم يقيم حدود الله على من وجب عليه ذلك في عدل وِإنصاف لا تأخذه في الله لومة لائم ولا قرابة قريب أو مكانة شريف؛ فما هو صلى الله عليه وسلم -يقسم- وهو الصادق المصدوق البار في قمسه: لو أن ابنته سرقت لأقام عليها الحد. لا يدرؤه عنها كونها ابنة محمد صلى الله عليه وسلم. أخرج الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشًا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت؛ فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ من يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أتشفع في حد من حدود الله؟ " ثم قام: فخطب فقال: "يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وايم الله؛ لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" [3]. [1] ابن هشام: السيرة 1/ 626، "بتحقيق مصطفى السقا وزملائه". [2] حم 3/ 423. [3] خ: حدود، باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السطان 12/ 87، ح 6788.