أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة[1] يكل إليه النبي صلى الله عليه وسلم خرص مزارع خيبر التي تركها صلى الله عليه وسلم بيد اليهود؛ فيحاول يهود رشوته ليخفف عليهم في الخرص. فيشتد غضبه رضي الله عنه أن ساوموه على أمانته وعدالته ويقول مخاطبًا إخوان القردة والخنازير: "يا معشر اليهودي! أنتم أبغض الخلق إلي، قتلتم أنبياء الله عز وجل، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم، وقد خرصت عشرين ألف وسق من تمر، فإن شئتم فلكم وإن أبيتم فلي". فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض، وقد أخذنا فأخرج عنا[2]، وفي رواية أنه قال لهم: "لأنتم والله أبغض إلي من عدتكم من القدرة والخنازير"[3].
وأقر اليهود بعدله ونصفته، وأنه لم يحف عليهم كما ادعوا[4]. ولكنهم قوم بهت!
فإن قيل هذا صحابي جليل تربى على يد الرسول صلى الله عليه وسلم وشاهد التنزيل؛ فليس ببدع أن يعدل ويحكم بالقسط إذ وكل إليه الحكم في أمر من الأمور.
قلنا: لندع جيل الصحابة رضوان الله عليهم؛ فإنهم، جيل فريد، الأصل فيهم الخير والعدالة، ولنتجاوزهم إلى غيرهم ممن جاء بعدهم، فهذا شريح القاضي[5] يتحاكم إليه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ورجل ذمي [1] وهو: عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي الشاعر المشهور، أحد الفقاء ليلة العقبة، شهد بدرًا وما بعدها إلى أن استشهد بمؤته. ابن حجر، الإصابة 2/ 306. [2] حم: 3/ 367، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجاله رجال الصحيح 4/ 22. [3] البيهقي، كتاب المساقاة، باب المعاملة على النخل بشطر ما يخرج منها 6/ 114. [4] جاء في بعض الروايات أنهم اشتكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيف عبد الله عليهم في الحرص، انظر: السنن الكبرى للبيهقي 6/ 114. [5] هو: شريح بن الحارث بن قيس الكندي، قاضي الكوفة، كان يكنى أبا أمية، توفي سنة ثمان أو تسع وسبعين، وقد عاش مائة وثمانين سنين. ترجمته في: "بقات ابن سعد 6/ 131، والحلية، لأبي نعيم 4/ 132، وسير أعلام النبلاء 4/ 100.