فيحكم شريح يرحمه الله للذمي على أمير المؤمنين؛ فقد أخرج البيهقي بسنده عن الشعبي؛ قال: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إلى السوق، فإذا هو بنصراني[1] يبيع درعًا قال: فعرف علي رضي الله عنه الدرع، فقال: هذه درعي، بيني وبينك قاضي المسلمين، قال: فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلس القضاء وأجلس عليًا رضي الله عنه في مجلسه، وجلس شريح قدامه إلى جنب النصراني؛ فقال له علي رضي الله عنه: يا شريح لو كان خصمي مسلمًا لقعدت معه مجلس الخصم، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصافحوهم، ولا تبدؤهم بالسلام ولا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا عليهم، ولجوهم إلى مضايق الطرق، وصغروهم كما صغرهم الله2"، اقض بيني وبينه يا شريح. فقال شريح: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ قال: فقال علي رضي الله عنه: هذه درعي ذهبت مني منذ زمان قال: فقال شريح: ما تقول يا نصراني؟ قال: فقال: ما أكذب أمير المؤمنين؛ الدرع هي درعي، فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده فهل من بينة؟ فقال علي رضي الله عنه: صدق شريح. قال: فقال النصراني: أما أنا أشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه، هي والله يا أمير المؤمينن درعك. اتبعتك من الجيش وقد زلت عن جملك الأورق؛ فأخذتها، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. قال: فقال علي رضي الله عنه: أما إذا أسلمت فهي لك، وحمله على فرس عتيق، قال فقال الشعبي: لقد رأيته يقاتل المشركين[3]. [1] وفي رواية: يهودي. انظر: الحلية لأبي نعيم 4/ 139.
2 في قوله عز وجل: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ، سورة التوبة آية 29. [3] السنن الكبرى، كتاب آداب القاضي، باب إنصاف الخصمين 10/ 136.