المبحث الثاني: وصف الله لهذه الأمة بالعدالة وشهادته لها بها
اصطفى الله هذه الأمة لحمل الرسالة الخاتمة، وألقى على عاتقها مهمة القيام بواجب البلاغ، وجعلها قيمة على ذلك؛ إذ لا رسول بعد رسولها محمد صلى الله عليه وسلم؛ لذلك أناط الله بهذه الأمة مسئولية استمرار هذه الدعوة وإبلاغها للناس، وجعل هذه الأمة شاهدة وحجة على البشرية، تبلغهم وتشهد لهم بالإجابة، أو عليهم بالتمرد والعصيان.
ولما كان من شرط قبول الشهادة أن يكون الشاهد عدلًا خيارًا مرضيًا جعل الله هذه الأمة، خير أمة وجلعها عدلًا وسطًا بين الأمم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} ؛ فكما أن الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد عدل على هذه الأمة، كذلك أمته من بعده شاهد عدل على البشرية، تشهد على الأمم السابقة كما تشهد على الأمم اللاحقة.
تشهد على الأمم السابقة حين تنكر وتنكر تلك الأمم لرسل الله إليها وتفتري عليهم الكذب، وتدعي أنه ما جاءها من بشير ولا نذير؛ فيستشهد الرسل بهذه الأمة فتشهد لهم.
أخرج البخاري رحمه الله من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدعي نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب! فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم؛ فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير. فيقول: من يشهد لك فيقول: محمد وأمته، فيشهدون أنه قد بلغ، ويكون الرسول عليهم شهيدًا؛ فذلك قوله جل ذكره: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} ، والوسط العدل" [1]. [1] خ: كتاب التفسير، باب {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} 8/ 171، ح 4487.