الوجه الرابع: كونهم أكثر الناس استجابة للأنبياء
...
الوجه الرابع: كونهم أكثر استجابة للأنبياء
أشار إلى هذا الوجه الإمام ابن جرير رحمه الله بقوله: "وقال آخرون إنما قيل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ؛ لأنهم أكثر الأمم استجابة للإسلام، ثم روى عن الربيع[1] أنه قال في الآية: لم تكن أمة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمة؛ فمن ثم قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [2].
يدل لذلك ما جاء في الصحيح من كونه صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تبعًا. كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أول شفيع في الجنة لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت، وإن من الأنبياء نبيًا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد" [3] وعنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة" [4].
يوضح النبي صلى الله عليه وسلم مبلغ هذه الكثرة فيقول في الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما: "عرضت على الأمم؛ فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط[5]، والنبي ليس معه أحد، حتى رفع لي سواد عظيم، قلت: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومه. قيل: انظر إلى الأفق؛ فإذا سواد يملأ الأفق. ثم قيل لي: انظر هاهنا، وهاهنا -في آفاق السماء- فإذا سواد قد ملأ الأفق، وقيل: هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفًا بغير [1] هو: الربيع بن أنس البكري البصري ثم الخراساني. روى عن أنس بن مالك وأبي العالية. قال العجلي: صدوق، وقال أبو حاتم: صدوق، وهو أحب إلي في أبي العالية، وقال النسائي: ليس به بأس. توفي سنة 139، وقيل: 140 هـ. ابن حجر، تهذيب التهذيب 3/ 238. [2] انظر: جامع البيان 7/ 103. [3] م: الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة 1/ 188، ح 332. [4] نفس المصدر والجزء والصفحة ح 331. [5] الرهط: عدد يجمع من ثلاثة إلى عشرة، وقال بعضهم: من سبعة إلى عشرة. وقيل: الرهط ما دون العشرة من الرجال. انظر: ابن منظور، لسان العرب 7/ 305، مادة "رهط".