القرآن الكريم معجزة الله الخالدة، التي آتاها نبيه صلى الله عليه وسلم، للدلالة على صدقه ونبوته، فتحدى به الجن والإنس، أن يأتوا بمثله فقال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [1]، وقال تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [2]، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله؛ فقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [3]؛ فلما لم يستطيعوا تحداهم أن يأتوا بسورة، فقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين} [4].
وهذا التحدي هو من خصائص هذا الكتاب العزيز، ولم يقع لكتاب قبله؛ لأن الله عز وجل لم يجعلها معجزة لأنبيائه؛ وإنما اختص كل نبي منهم بمعجزة رئيسه من جنس ما برع فيه قومه؛ فكانت معجزة موسى عليه السلام "العصى" و"اليد" لبروع قومه في السحر، وجعل معجزة عيسى عليه السلام إحياء الموتى، وإبراء الأكمة والأبرص لبروز قومه في الطب، ثم جعل معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب الكريم المعجز بنظمه ومعناه فتحدى به العرب مع فصحاتهم وبلاغتهم التي عرفوا بها.
يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر؛ وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله، فأرجو أن أكون أكثر تابعًا يوم القيامة" [5]، قال الإمام ابن كثير في معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "إنما كان الذي أوتيته وحيًا" أوحاه الله؛ فأرجو أن أكون أكثر تابعًا يوم القايمة" [5]. قال الإمام ابن كثير في معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "إنما كان الذي أوتيته وحيًا": "أي: الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن [1] سورة الإسراء آية 88. [2] سورة الطور آية 34. [3] سورة هود آية 13. [4] سورة يونس آية 38. [5] خ: فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي 9/ 3، ح 4981.