وقالوا تارة أخرى أنه شريك لله وجزء من ثلاثة يتكون منها الإله، كما ذكر الله قوله هذا وكفرهم به أيضًا. فقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [1].
فألهوا المسيح عليه السلام وجعلوه شريكًا لله، وعبدوه من دونه؛ بل وصفوه بأخص صفات الألوهية والربوبية من الخلق والرزق والإحياء، والإماتة؛ وبذلك فارقوا عباد الأصنام والأوثان الذين قالوا في معبوداتهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [2]، ولم يضيفوا إليها شيئًا من خصائص الربوبية كالخلق والرزق ونحو ذلك؛ بل أقروا بكل ذلك لله وحده كما قال عز وجل: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [3]، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [4]، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [5]، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [6].
أما هؤلاء فلئن سألتهم عن شيء من ذلك ليقولن المسيحِ؛ فهو عندهم الإله الخالق الرازق المحيي المميت، باعث الرسل، ومنزل الكتب، حكى [1] سورة المائدة: آية 73. [2] سورة الزمر: من آية 3. [3] سورة يونس: آية 31. [4] سورة العنكبوت: آية 61. [5] سورة العنكبوت: آية 63. [6] سورة لقمان: آية 25.