أولًا: موقف اليهود من أنبياء الله ورسله:
لقد كان ليهود من أنبياء الله ورسله مواقف شائنة مخزية، تنبئ عن خبث في الطوية، وفساد في السيرة والسريرة، وإتباع للنفس والهوى، وإعراض عن الحق والهدى.
وإذا نحن أجلنا النظر في كتاب الله عز وجل، تحصل لنا أن مواقف اليهود من رسل الله تتلخص في الأمور التالية:
الأمر الأول:
أنهم فرقوا بين رسل الله ولم يؤمنوا بهم جميعًا؛ بل آمنوا ببعض وكفروا بالبعض الآخر "بمجرد التشهي والعادة، لا عن دليل قادهم إلى ذلك، فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك بل بمجرد الهوى والعصبية"[1].
ومن أعظلم الرسل الذين كفروا بهم وكذبوا برسالتهم، عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، على أنهم كذبوا وكفروا بأنبياء آخرين غيرهما بدليل قتلهم لكثير من أبنيائهم كما سيأتي.
وقد عد الله من يؤمن ببعض الرسل ويكفر بالبعض الآخر كافرًا؛ بل هو الكافر حقًا فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا، أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [2].
قال الإمام ابن جرير في تفسيره: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} ؛ يعني: أنهم يقولون: نصدق بهذا ونكذب بهذا، كما فعلت اليهود في تكذيبهم عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وتصديقهم بموسى وسائر الأنبياء قبله بزعمهم، وكما فعلت النصارى من تكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم وتصديقهم بعيسى وسائر الأنبياء قبله بزعمهم"[3].
وقال رحمه الله في معنى قوله عزل وجل: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} : "يقول: أيها الناس! هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم هم أهل الكفر بي، المستحقون عذابي والخلود في ناري حقًا، فاستيقنوا ذلك، ولا يشككنكم في أمرهم انتحالهم الكذب، ودعواهم أنهم يقرون بما يزعموا أنه به مقرون من [1] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 2/ 396. [2] سورة النساء آية 150- 151. [3] جامع البيان 9/ 351.