ومنها: النهي عن سبهم أو النيل منهم:
ومما جاء صريحًا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد[1] أحدهم ولا نصيفه" [2]، [3].
وفيه إلى جانب النهي عن سبهم، بيان أن لا أحد يبلغ مبلغهم، وإن أنفق أكثر منهم: "ذلك أن جهد المقل منهم واليسير من النفقة الذي أنفقوه في سبيل الله مع شدة العيش والضيق الذي كانوا فيه، أوفى عند الله وأزكى من الكثير الذي ينفقه من بعدهم؛ وذلك لما في قلوبهم من صدق الإيمان وإخلاص وصفاء السريرة، وطهارة القلوب وزكاء النفوس"[4].
وبعد فهذا عرض مقتضب لمنزلة الصحابة رضي الله عنهم، ومكانتهم في الكتاب والسنة على وجه العموم، ولكل منهم فضائل ومناقب، ومآثر ومفاخر ليس من غرضنا هنا ذكرها؛ وإنما القصد تذكير القارئ الكريم بعظم حقهم ومنزلتهم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليعلم مبلغ جرم وظلم من أزرى بهم، وتطاول على مقامهم، ممن جاء بعدهم وسيأتي ذكرهم؛ فإن مع وضوح فضلهم وظهوره كما تقدم، فقد هلك فيهم أقوام، وضل بسبب الكلام الآخر وأفرط، والحق بين غلو الغالين وجفاء المقصرين أبلج عليه من الله نور وكتاب مبين، عشت عنه أبصار الزنادقة الهالكين، ولم تهتد إليه أفئدة الجالهين المارقين، وأبصره وتمسك به [1] المد "بضم الميم في الأصل": ربع الصاع؛ وإنما قدره به؛ لأنه أقل ما كانوا يتصدقون به في العادة. وهو رطل وثلث بالعراقي عند الشافعي وأهل الحجاز، وهو رطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق. انظر: النهاية لابن الأثير 4/ 308. [2] التصنيف: هو النصف كالعشير في العشر. انظر: نفس المصدر 5/ 65. [3] خ: فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلًا" 7/ 21، ح 3673. [4] انظر: مختصر سنن أبي داود ومعه معالم السنن، للخطابي 7/ 34.