الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِين} [1].
أما عباده وخلقه من ملائكته وجنه وإنسه بما فيهم أنبياؤه ورسله؛ فلا يعلم أحد منهم من الغيب إلا ما علمه الله وأطلعه عليه على حد قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [2].
فلم يظهر أحدًا على غيبه "إلا من يصطفيه لرسالته فيظهره على ما يشاء من الغيب؛ لأنه يستدل على نبوته بالآية المعجزة التي تخبر عن الغيب"[3].
وهذا الإظهار لهم لا يكون إلا في حياتهم وعلى ما يشاء الحق عز وجل اطلاعهم عليه. أما بعد مماتهم؛ فقد انقطع الوحي عنهم وانتقلوا إلى بارئهم.
وبهذا يعلم ضلال من ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب بعد وفاته كما سيأتي.
- وينأون وينهون عن إطرائه والغلو في مدحه والمبالغة في ذلك:
وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم حذر أمته من ذلك؛ إذ الإطراء هو مجاوزة الحد في المدح بالباطل، وهو يؤدي إلى أن ينزل صلى الله عليه وسلم فوق منزلته التي أنزله الله إياها وهي منزلة العبودية والرسالة، وليس بعدها إلا مقام الألوهية ومنزلة الربوبية، والنبي صلى الله عليه وسلم يأبى أن تقع أمته في ذلك، وينهى أن تجاوز به منزلته ومكانته تلك؛ فيقول صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله" [4]؛ أي: لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى، [1] سورة الأنعام آية 59. [2] سورة الجن آية 26- 27. [3] البغوي، معالم التنزيل 4/ 406. [4] خ: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} 6/ 478.