ومعلوم أن القائل بما ثبت من طريق النقل الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسمى محدثًا؛ بل يسمى سنيًا متبعًا، وأن من قال في نفسه قولًا وزعم أنه مقتضي عقله، وأن الحديث المخالف لا ينبغي أن يلتفت إليه؛ لكونه من أخبار الآحاد، وهي لا توجب علمًا، وعقله موجب للعلم يستحق أن يسمى محدثًا مبتدعًا، مخالفًا، ومن كان له أدنى تحصيل أمكنه أن يفرق بيننا وبين مخالفينا يتأمل هذا الفصل في أول وهلة، ويعلم أن أهل السنة نحن دونهم، وأن المبتدعة خصومنا دوننا"[1].
بل يذهب رحمه الله أبعد من ذلك فيرى أن ضررهم أكثر من ضرر المعتزلة؛ فيقول: "ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء -أي: المعتزلة- بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم وهم أبو محمد بن كلاب وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري"[2].
معللًا رأيه هذا بقوله: "فهؤلاء يردون على المعتزلة بعض أقاويلهم ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردوه على المعتزلة"[3]، وقوله: "لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف[4] ولم تموه".
بل قالت: إن الله بذاته في كل مكان وإنه غير مرئي، وأنه لا سمع له ولا بصر؛ فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم أعداء. والكلابية، والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة، والذب عن السنة وأهلها، وقالوا في [1] انظر: الرد على من أنكر الحرف والصوت ص100- 101 وانظر: ص62 من هذه الرسالة. [2] نفس المصدر 222. [3] نفس المصدر 223. [4] الاستقفاء: الإتيان من الخلف يقال: اقتفيته بالعصا، واستقفيته ضربت قفاه بها.
انظر: لسان العرب 15/ 193.