كثرة أهل الباطل بعدهم"[1].
وكل هذه المعاني متقاربة، واختلافها اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وأهل السنة هم أهل الجماعة على أي معنى من هذه المعاني؛ فأما على المعنى الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس فلا إشكال، فأهل السنة يرون إتباع الأئمة من أهل العلم والدين ولا يخرجون عن إجماعهم كما أن قدوتهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يهتدون بهديهم ويلزمون آثارهم، وهم أيضًا أعظم الطوائف حرصًا على جماعة المسلمين، وطاعة إمام المسلمين القائم بالعلم والدين ولا يرون الخروج عليه، ما لم يروا كفرًا بواحًا لديهم من الله فيه برهان.
وقيل ذلك وبعده فهم ينظرون إلى الحق والصواب يتلمسونه فيلزمونه ويتمسكون به، وإن كان أكثر الناس على خلافه.
وأما على القول الأول، وهو أن المراد بالجماعة "السواد الأعظم من المسلمين"؛ فأهل السنة أيضًا هم أهل الجماعة بهذا المعنى؛ وذلك أن المراد بالسواد الأعظم: السواد الأعظم من العلماء المعتبر اجتهادهم، وإن انضم إليهم العوام فبحكم التبع؛ لأنهم غير عارفين بالشريعة، ولا بد من رجوعهم في دينهم إلى العلماء، فإن العامة لو تمالئوا على مخالفة العلماء فيما حدوا لهم لكانوا هم الغالب والسواد الأعظم في ظاهر الأمر لقلة العلماء وكثرة الجهال؛ فلا يقولن أحد إن اتباع جماعة العوام هو المطلوب، وإن العلماء هم المفارقون للجماعة، والمذمومون في الحديث، بل الأمر بالعكس، وأن العلماء هم السواد الأعظم وإن قلوا، والعوام هم المفارقون للجماعة وإن خالفوا[2].
سئل الإمام إسحاق بن راهويه[3] من السواد الأعظم؟ فقال: "محمد بن [1] الباعث على إنكار البدع والحوادث ص 19. [2] الشاطبي: الاعتصام 2/ 266. [3] وهو الإمام الحافظ الكبير أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم شيخ أهل المشرق المعروف بابن راهويه ولد سنة 166، وقيلِ: 161، ومات سنة 238، الذهبي، تذكرة الحفاظ 2/ 433.