responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 645
الْإِسْلَامِ فِيهَا أَرْبَعَةٌ. أَحَدُهَا: قَوْلُ الْجَبْرِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَبْدَ مَجْبُورٌ عَلَى فِعْلِهِ، وَأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُلْجَأٌ إِلَيْهِ، وَأَنَّ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إِلَيْهِ كَنِسْبَةِ حَرَكَةِ الْغُصْنِ إِلَيْهِ، إِذَا حَرَّكَهُ مُحَرِّكٌ. وَالثَّانِي: قَوْلُ الْقَدَرِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مَجْبُورِينَ عَلَى الْفِعْلِ، بَلْ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى إِيجَادِ الْفِعْلِ. وَالثَّالِثُ: قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ، أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ قُدْرَةٌ يَخْلُقُهَا اللَّهُ لَهُ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إِيقَاعِهِ وَعَدَمِ إِيقَاعِهِ. وَالرَّابِعُ: مَذْهَبٌ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ لِلْعَبْدِ تَمْكِينًا وَقُدْرَةً مَعَ الْفِعْلِ يَفْعَلُ بِهَا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، لَا عَلَى سَبِيلِ الِاضْطِرَارِ وَالْإِلْجَاءِ، وَهَذَا التَّمْكِينُ هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِقَابُ وَالثَّوَابُ. ثُمَّ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ تَفَاسِيرَ: أَحَدُهَا: قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ: أَنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَقْدُورِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ فِي الْمَقْدُورِ، بَلِ الْقُدْرَةُ وَالْمَقْدُورُ حَصَلَا بِخَلْقِ اللَّهِ، لَكِنَّ الشَّيْءَ الَّذِي حَصَلَ بِخَلْقِ اللَّهِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقُ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ، هُوَ الْكَسْبُ. وَالثَّانِي: قَوْلُ الْبَاقِلَّانِيُّ: أَنَّ ذَاتَ الْفِعْلِ لَمْ تُحَصِّلْ لَهُ صِفَةَ، كَوْنِهِ طَاعَةً وَمَعْصِيَةً، بَلْ هَذِهِ الصِّفَةُ حَصَلَتْ لَهُ بِالْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ. وَالثَّالِثُ: قَوْلُ أبي إسحاق الأسفرائني: أَنَّ الْقُدْرَتَيْنِ، الْقَدِيمَةَ وَالْحَدِيثَةَ، إِذَا تَعَلَّقَتَا بِمَقْدُورٍ وَقَعَ بِهِمَا، فَكَأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ يُوقَعُ بِإِعَانَةٍ، فَهَذَا هُوَ الكسب.
وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ: جُمْلَةٌ تَوْكِيدِيَّةٌ لِمَا قَبْلَهَا، لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مُخْتَصٌّ بِكَسْبِهِ مِنْ خَيْرٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلَا يُسْأَلُ أَحَدٌ عَنْ عَمَلِ أَحَدٍ. فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَنْفَعُكُمْ حَسَنَاتُهُمْ، فَكَذَلِكَ لَا تُسْأَلُونَ وَلَا تُؤَاخَذُونَ بِسَيِّئَاتِ مَنِ اكْتَسَبَهَا. وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] ، كُلُّ شَاةٍ بِرِجْلِهَا تُنَاطُ. قَالُوا: وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَمَا قَبْلَهَا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى غَيْرِهِ بِمَا يَجْرِي مَجْرَى الْمُنَاقَضَةِ لِقَوْلِهِ، إِفْحَامًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُجَّةً فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَحْتَجَّ عَلَى نُبُوَّتِهِ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، بَلْ كَانَ يَحْتَجُّ بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ. لَكِنَّهُ لَمَّا أَقَامَ الْحُجَّةَ بِهَا وَأَزَاحَ الْعِلَّةَ، وَجَدَهُمْ مُعَانِدِينَ مُسْتَمِرِّينَ عَلَى بَاطِلِهِمْ. فَعِنْدَ ذَلِكَ أَوْرَدَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُجَّةِ مَا يُجَانِسُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ الدِّينُ بِالِاتِّبَاعِ، فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْلَى. وَفِي قَوْلِهِ: لَها مَا كَسَبَتْ إِلَى آخِرِهِ، دَلَالَةٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ تَعْذِيبِ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ.
وَفِي الْآيَةِ قَبْلَهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَبْنَاءَ يُثَابُونَ عَلَى طَاعَةِ الْآبَاءِ.
وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا: الضَّمِيرُ عَائِدٌ فِي قَالُوا عَلَى رُؤَسَاءِ اليهود

[1] سورة الأنعام: 6/ 164، وسورة الإسراء: 17/ 15، وسورة فاطر: 35/ 18، وسورة الزمر: 39/ 7.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 645
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست