responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 647
وَأَمَّا النَّصْبُ عَلَى الْقَطْعِ، فَقَدْ رَدَّ هَذَا الْأَصْلَ الْبَصْرِيُّونَ. وَأَمَّا إِضْمَارُ الْفِعْلِ فَهُوَ قَرِيبٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمُضَافِ، وَذُكِرَ حَنِيفًا وَلَمْ يُؤَنَّثْ لِتَأْنِيثِ مِلَّةٍ، لِأَنَّهُ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمِلَّةَ هِيَ الدِّينُ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: نَتَّبِعُ دِينَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا. وَعَلَى هَذَا خَرَّجَهُ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الشَّجَرِيِّ فِي الْمَجْلِسِ الثَّالِثِ مِنْ أَمَالِيهِ. قَالَ: قِيلَ إِنَّ حَنِيفًا حَالٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَأَوْجَهُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَجْعَلَهُ حَالًا مِنَ الْمِلَّةِ، وَإِنْ خَالَفَهَا بِالتَّذْكِيرِ، لِأَنَّ الْمِلَّةَ فِي مَعْنَى الدِّينِ. أَلَا تَرَى أَنَّهَا قَدْ أُبْدِلَتْ مِنَ الدِّينِ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ [1] ؟ فَإِذَا جَعَلْتَ حَنِيفًا حَالًا مِنَ الْمِلَّةِ، فَالنَّاصِبُ لَهُ هُوَ النَّاصِبُ لِلْمِلَّةِ، وَتَقْدِيرُهُ:
بَلْ نَتَّبِعُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، وَإِنَّمَا ضَعِّفَ الْحَالَ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْحَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعَامِلُ فِي ذِي الحال. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَتَكُونُ حَالًا لَازِمَةً، لِأَنَّ دِينَ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَنْفَكَّ عَنِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ حَنِيفًا حَالًا مِنْ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَكُونَ حَالًا لَازِمَةً، لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَنْفَكَّ عَنِ الْحَنِيفِيَّةِ. وَالْحَنِيفُ: هُوَ الْمَائِلُ عَنِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أو الْمَائِلُ عَمَّا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ، أَوِ الْمُسْتَقِيمُ، قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَوِ الْحَاجُّ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وابن الحنفية، أَوِ الْمُتَّبِعُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ أَوِ الْمُخَلِّصُ، قَالَهُ السُّدِّيُّ أَوِ الْمُخَالِفُ لِلْكُلِّ، قَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ أَوِ الْمُسْلِمُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ، قَالَ: فَإِذَا جُمِعَ الْحَنِيفُ مَعَ الْمُسْلِمِ فَهُوَ الْحَاجُّ، أَوِ الْمُخْتَتِنُ. أَوِ الْحَنَفُ: هُوَ الِاخْتِتَانُ، وَإِقَامَةُ الْمَنَاسِكِ، وَتَحْرِيمُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ، عَشْرَةُ أَقْوَالٍ مُتَقَارِبَةٍ فِي الْمَعْنَى. وَإِنَّمَا خُصَّ إِبْرَاهِيمُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ مَائِلِينَ إِلَى الْحَقِّ، مُسْتَقِيمِي الطَّرِيقَةِ حُنَفَاءَ، لِأَنَّ اللَّهَ اخْتَصَّ إِبْرَاهِيمَ بِالْإِمَامَةِ، لِمَا سَنَّهُ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَالْخِتَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، مِمَّا يُقْتَدَى بِهِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. وَصَارَتِ الْحَنِيفِيَّةُ عَلَمًا مُمَيِّزًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ. وَسُمِّيَ بِالْحَنِيفِ: مَنِ اتَّبَعَهُ وَاسْتَقَامَ عَلَى هديه، وسمي المنكث عن مِلَّتِهِ بِسَائِرِ أَسْمَاءِ الْمِلَلِ، فَقِيلَ: يَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ وَمَجُوسِيٌّ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ ضُرُوبِ النِّحَلِ.
وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْبُدُ وَثَنًا، وَلَا شَمْسًا، وَلَا قَمَرًا، وَلَا كَوْكَبًا، وَلَا شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَانَ فِي قَوْلِهِ: بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِلَّتَهُ مُخَالِفَةٌ لِمِلَّةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلِذَلِكَ أَضْرَبَ ببل عَنْهُمَا، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا. وَكَانَتِ الْعَرَبُ مِمَّنْ تَدِينُ بِأَشْيَاءَ مِنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ كَانَتْ تُشْرِكُ، فَنَفَى اللَّهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَقِيلَ: فِي الْآيَةِ تَعْرِيضٌ بِأَهْلِ الكتاب وغيرهم، لأن

[1] سورة الأنعام: 6/ 161.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 647
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست