responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 662
فِي مِنْ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ: أَنَّ الْعَامِلَ فِي الْوَجْهِ قَبْلَهُ فِي الظَّرْفِ وَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَاحِدٌ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ اثْنَانِ، وَكَانَ جَعْلُ مِنْ مَعْمُولًا لِلْعَامِلِ فِي الظَّرْفِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِشَهَادَةٍ، أَحْسَنَ مِنْ تَعَلُّقِ مِنْ بِكَتَمَ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْأَظْلَمِيَّةِ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ قَدِ اسْتَوْدَعَهَا اللَّهُ إِيَّاهُ فَكَتَمَهَا. وَعَلَى التَّعَلُّقِ بِكَتَمَ، تَكُونُ الْأَظْلَمِيَّةُ حَاصِلَةً لِمَنْ كَتَمَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ شَهَادَةً مُطْلَقَةً وَأَخْفَاهَا عَنْهُمْ، وَلَا يَصِحُّ إِذْ ذَاكَ الْأَظْلَمِيَّةُ، لِأَنَّ فَوْقَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ مَا تَكُونُ الْأَظْلَمِيَّةُ فِيهِ أَكْثَرَ، وَهُوَ كَتْمُ شَهَادَةٍ اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا أَنْ لَا تَتَعَلَّقَ مِنْ بِكَتَمَ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَتَمُوا هَذِهِ الشَّهَادَةَ، وَهُمْ عَالِمُونَ بِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّا لَوْ كَتَمْنَا هَذِهِ الشَّهَادَةَ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَظْلَمَ مِنَّا، فَلَا نَكْتُمُهَا، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِكِتْمَانِهِمْ شَهَادَةَ اللَّهِ لِمُحَمَّدٍ بِالنُّبُوَّةِ فِي كُتُبِهِمْ وَسَائِرِ شَهَادَاتِهِ. انْتَهَى كَلَامُهُ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ، لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا تَقَدَّمَهَا الْإِنْكَارُ، لِمَا نَسَبُوهُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ. فَالَّذِي يَلِيقُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ، لَا مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وَأَتْبَاعِهِ، لِأَنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ، وَعَالِمُونَ بِذَلِكَ الْعِلْمِ الْيَقِينِ، فَلَا يُفْرَضُ فِي حَقِّهِمْ كِتْمَانُ ذَلِكَ.
وَذُكِرَ فِي (رَيِّ الظَّمْآنِ) : أَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً حَصَلَتْ لَهُ؟ كَقَوْلِكَ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِنْ زَيْدٍ؟ مِنْ جُمْلَةِ الْكَاتِمِينَ لِلشَّهَادَةِ. وَالْمَعْنَى: لَوْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ وَبَنُوهُ يَهُودًا وَنَصَارَى. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ كَتَمَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّنْ يَكْتُمُ الشَّهَادَةَ أَظْلَمَ مِنْهُ، لَكِنْ لَمَّا اسْتَحَالَ ذَلِكَ مَعَ عَدْلِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَنِ الْكَذِبِ، عَلِمْنَا أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ. انْتَهَى. وَهَذَا الْوَجْهُ مُتَكَلَّفٌ جِدًّا مِنْ حَيْثُ التَّرْكِيبُ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَدْلُولُ. أَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّرْكِيبُ، فَزَعَمَ قَائِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ عِنْدَنَا إِلَّا فِي الضَّرَائِرِ. وَأَيْضًا، فَيَبْقَى قَوْلُهُ: مِمَّنْ كَتَمَ، مُتَعَلِّقٌ: إِمَّا بِأَظْلَمَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ الْبَدَلِيَّةِ، وَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ بَدَلَ عَامٍّ مِنْ خَاصٍّ، وَلَيْسَ هَذَا النَّوْعُ بِثَابِتٍ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ، عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ زَعَمَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ بَعْضٍ. وَقَدْ تَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ مَا أَدَّى ظَاهِرُهُ إِلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ، وَجَعَلُوهُ مِنْ وَضْعِ الْعَامِّ مَوْضِعَ الْخَاصِّ، لِنَدُورِ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ يَكُونُ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ بِمَحْذُوفٍ، فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ كَائِنًا مِنَ الْكَاتِمِينَ الشَّهَادَةَ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَدْلُولُ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْأَظْلَمِيَّةِ لِمَنْ جَرَّ بِمِنْ يَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ: أَيْ إِنْ كَتَمَهَا، فَلَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ. وَهَذَا كُلُّهُ مَعْنًى لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَيُنَزَّهُ كِتَابُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 662
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست