responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 257
نَظَائِرِ مِثْلِ هَذَا الْوَصْفِ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ نَحْوَ قَوْلِهِ: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [النَّحْل: 108] وَقَوْلِهِ: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا [الْكَهْف: 28] وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ كَثْرَةً تَنْبُو عَنِ التَّأْوِيلِ وَمَحْمَلُهَا عِنْدَنَا عَلَى التَّحْقِيقِ أَنَّهَا وَارِدَةٌ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ وَاقِعٍ هُوَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ اللَّهَ هَدَى وَوَفَّقَ بَعْضًا، وَأَضَلَّ وَخَذَلَ بَعْضًا فِي التَّقْدِيرِ وَالتَّكْوِينِ، فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وُرُودُ الْآيَةِ وَنَظَائِرِهَا فِي مَعْنَى النَّعْيِ عَلَى الْمَوْصُوفِينَ بِذَلِكَ وَالتَّشْنِيعِ بِحَالِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا لَهُمْ مِنَ الْمَيْلِ وَالِاكْتِسَابِ، وَبِالتَّحْقِيقِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ الَّتِي هِيَ دُونَ الْخَلْقِ، فَاللَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ الشُّرُورَ وَأَوْجَدَ فِي النَّاسِ الْقُدْرَةَ عَلَى فِعْلِهَا وَلَكِنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْهَا لِأَنَّهُ أَوْجَدَ فِي النَّاسِ الْقُدْرَةَ عَلَى تَرْكِهَا أَيْضًا، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْقَدَرِ وَالتَّكْلِيفِ إِذْ كُلٌّ رَاجِعٌ إِلَى جِهَةٍ خِلَافَ مَا تَوَهَّمَتْهُ الْقَدَرِيَّةُ فَنَفَوُا الْقَدَرَ وَهُوَ التَّقْدِيرُ وَالْعِلْمُ وَخِلَافَ مَا تَوَهَّمَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ عَدَمِ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَلَا هِيَ مَخْلُوقَةٌ لَهُ وَإِنَّمَا الْمَخْلُوقُ لَهُ ذَوَاتُهُمْ وَآلَاتُ أَفْعَالِهِمْ، لِيَتَوَسَّلُوا بِذَلِكَ إِلَى إِنْكَارِ صِحَّةِ إِسْنَادِ مِثْلِ هَاتِهِ الْأَفْعَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ إِيجَادِ الْفَسَادِ، وَتَأْوِيلِ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ: عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِعِلْمِهِ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ سَيَفْعَلُونَ وَهُوَ قَادِرٌ على سلب الْقدر مِنْهُمْ فَبِتَرْكِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى تِلْكَ الْقُدْرَةِ إِمْهَالٌ لَهُمْ عَلَى فِعْلِ الْقَبِيحِ وَهُوَ
قَبِيحٌ، فَالتَّحْقِيقُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَشَاعِرَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ هُوَ مُقَدِّرُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ إِلَّا أَنَّ فِعْلَهَا هُوَ مِنَ الْعَبْدِ لَا مِنَ اللَّهِ وَهُوَ الَّذِي أَفْصَحَ عَنْهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَضْرَابُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ. وَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا أَنَّهُ كَيْفَ أَقْدَرَهُمْ عَلَى فِعْلِ الْمَعَاصِي؟ لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا أَنَّهُ كَيْفَ عَلِمَ بَعْدَ أَنْ أَقْدَرَهُمْ بِأَنَّهُمْ شَارِعُونَ فِي الْمَعَاصِي وَلَمْ يَسْلُبْ عَنْهُمُ الْقُدْرَةَ؟
فَكَانَ مَذْهَبُ الْأَشَاعِرَةِ أَسْعَدَ بِالتَّحْقِيقِ وَأَجْرَى عَلَى طَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ مَا طَفَحَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنَ الْأَدِلَّةِ. وَلَنَا فِيهِ تَحْقِيقٌ أَعْلَى مِنْ هَذَا بَسَطْنَاهُ فِي «رِسَالَةِ الْقُدْرَةِ وَالتَّقَدُّرِ» الَّتِي لَمَّا تَظْهَرْ.
وَإِسْنَادُ الْخَتْمِ الْمُسْتَعْمَلِ مَجَازًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَمَكُّنِ مَعْنَى الْخَتْمِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَأَنْ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَمَا يُقَالُ خِلْقَةٌ فِي فُلَانٍ، وَالْوَصْفُ الَّذِي أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِي فُلَانٍ أَوْ أَعْطَاهُ فَلَانًا، وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا الْإِسْنَادِ وَبَيْنَ الْإِسْنَادِ فِي الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ لِأَنَّ هَذَا أُرِيدَ مِنْهُ لَازِمُ الْمَعْنَى وَالْمَجَازَ الْعَقْلِيَّ إِنَّمَا أُسْنِدَ فِيهِ فِعْلٌ لِغَيْرِ فَاعِلِهِ لِمُلَابَسَةٍ، وَالْغَالِبُ صِحَّةُ فَرْضِ الِاعْتِبَارَيْنِ فِيمَا صَلَحَ لِأَحَدِهِمَا وَإِنَّمَا يُرْتَكَبُ مَا يَكُونُ أَصْلَحُ بِالْمَقَامِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 257
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست