responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 258
وَجُمْلَةُ: وَعَلى سَمْعِهِمْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: وعَلى قُلُوبِهِمْ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ حَتَّى يَكُونَ الْمَعْطُوفُ مَقْصُودًا لِأَنَّ عَلَى مُؤْذِنَةٌ بِالْمُتَعَلِّقِ فَكَأَنَّ خَتَمَ كُرِّرَ مَرَّتَيْنِ.
وَفِيهِ مُلَاحَظَةُ كَوْنِ الْأَسْمَاعِ مَقْصُودَةً بِالْخَتْمِ إِذْ لَيْسَ الْعَطْفُ كَالتَّصْرِيحِ بِالْعَامِلِ. وَلَيْسَ قَوْلُهُ وَعَلى سَمْعِهِمْ خَبَرًا مُقَدَّمًا لِغِشَاوَةٍ لِأَنَّ الْأَسْمَاعَ لَا تُنَاسِبُهَا الْغِشَاوَةُ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُهَا السَّدُّ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً [الجاثية: 23] وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ قَوْلِهِ: وَعَلى أَبْصارِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْخَبَرُ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ لِتَصْحِيحِ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: وَعَلى سَمْعِهِمْ هُوَ الْخَبَر لَا ستغنى بِتَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا وَأَبْقَى الْآخَرَ عَلَى الْأَصْلِ مِنَ التَّأْخِيرِ فَقِيلَ وَعَلَى سَمْعِهِمْ غِشَاوَةٌ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ.
وَفِي تَقْدِيمِ السَّمْعِ عَلَى الْبَصَرِ فِي مَوَاقِعِهِ مِنَ الْقُرْآنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ فَائِدَةً لِصَاحِبِهِ مِنَ الْبَصَرِ فَإِنَّ التَّقْدِيمَ مُؤْذِنٌ بِأَهَمِّيَّةِ الْمُقَدَّمِ وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّمْعَ آلَةٌ لِتَلَقِّي الْمَعَارِفِ الَّتِي بِهَا كَمَالُ الْعَقْلِ، وَهُوَ وَسِيلَةُ بُلُوغِ دَعْوَةِ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى أَفْهَامِ الْأُمَمِ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ مِنْ بُلُوغِهَا بِوَاسِطَةِ الْبَصَرِ لَوْ فَقَدَ السَّمْعَ، وَلِأَنَّ السَّمْعَ تَرِدُ إِلَيْهِ الْأَصْوَاتُ الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْجِهَاتِ السِّتِّ بِدُونِ تَوَجُّهٍ، بِخِلَافِ الْبَصَرِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى التَّوَجُّهِ بِالِالْتِفَاتِ إِلَى الْجِهَاتِ غَيْرِ الْمُقَابِلَةِ.
وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
الْعَذَابُ: الْأَلَمُ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَصْلَهُ الْإِعْذَابُ مَصْدَرُ أَعْذَبَ إِذَا أَزَالَ الْعُذُوبَةَ لِأَنَّ الْعَذَابَ يُزِيلُ حَلَاوَةَ الْعَيْشِ فَصِيغَ مِنْهُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ، أَوْ هُوَ اسْم مَوضِع لِلْأَلَمِ بِدُونِ مُلَاحَظَةِ اشْتِقَاقٍ مِنَ الْعُذُوبَةِ إِذْ لَيْسَ يَلْزَمُ مَصِيرُ الْكَلِمَةِ إِلَى نَظِيرَتِهَا فِي الْحُرُوفِ.
وَوَصْفُ الْعَذَابِ بِالْعَظِيمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَنْكِيرَ عَذَابٍ لِلنَّوْعِيَّةِ وَذَلِكَ اهْتِمَامٌ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى عِظَمِهِ لِأَنَّ التَّنْكِيرَ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّعْظِيمِ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَظِيمٌ تَأْكِيدًا لِمَا يُفِيدُهُ التَّنْكِيرُ مِنَ التَّعْظِيمِ كَمَا ظَنَّهُ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» لِأَنَّ دَلَالَةَ التَّنْكِيرِ عَلَى التَّعْظِيمِ غَيْرُ وَضْعِيَّةٍ، وَالْمَدْلُولَاتُ غَيْرُ الْوَضْعِيَّةِ يُسْتَغْنَى عَنْهَا إِذَا وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا وَضْعًا فَلَا يُعَدُّ تَأْكِيدًا. وَالْعَذَابُ فِي الْآيَةِ، إِمَّا عَذَابُ النَّارِ فِي الآخر، وَإِمَّا عَذَابُ الْقَتْلِ وَالْمَسْغَبَةِ فِي الدُّنْيَا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 258
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست