responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 556
قُلْتَ: لِمَاذَا ذُكِرَ هُنَا بِلَفْظِ الْحَقِّ؟ وَهَلَّا قِيلَ قَالُوا: الْآنَ جِئْتَ بِالْبَيَانِ أَوْ بِالثَّبْتِ؟
قُلْتُ: لَعَلَّ الْآيَةَ حَكَتْ مَعْنَى مَا عَبَّرَ عَنْهُ الْيَهُودُ لِمُوسَى بِلَفْظٍ هُوَ فِي لُغَتِهِمْ مُحْتَمِلٌ لِلْوَجْهَيْنِ فَحَكَى بِمَا يُرَادِفُهُ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ تَنْبِيهًا عَلَى قِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِانْتِقَاءِ الْأَلْفَاظِ النَّزِيهَةِ فِي مُخَاطَبَةِ أَنْبِيَائِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راعِنا، فَنُهِينَا نَحْنُ عَنْ أَنْ نَقُولَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا [الْبَقَرَة: 104] وَهُمْ لِقِلَّةِ جَدَارَتِهِمْ بِفَهْمِ الشَّرَائِعِ قَدْ تَوَهَّمُوا أَنَّ فِي الْأَمْرِ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ دُونَ بَيَانِ صِفَاتِهَا تَقْصِيرًا كَأَنَّهُمْ ظَنُّوا الْأَمْرَ بِالذَّبْحِ كَالْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ فَجَعَلُوا يَسْتَوْصِفُونَهَا بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ وَاسْتَكْمَلُوا مُوسَى لَمَّا بَيَّنَ لَهُمُ الصِّفَاتِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا أَغْرَاضُ النَّاسِ فِي الْكَسْبِ لِلْبَقَرِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ فِي عِلْمِ النَّبِيءِ بِهَذِهِ الْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَمَالًا فِيهِ، فَلِذَا مَدَحُوهُ بَعْدَ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِمُ الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ كَمَا يَقُولُ الْمُمْتَحِنُ لِلتِّلْمِيذِ بَعْدَ جَمْعِ صُوَرِ السُّؤَالِ: الْآنَ أَصَبْتَ الْجَوَابَ، وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْوَصْفِ الطَّرْدِيِّ وَغَيْرِهِ فِي التَّشْرِيعِ، فَلْيَحْذَرِ الْمُسلمُونَ أَن يقعلوا فِي فَهْمِ الدِّينِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ أُولَئِكَ وَذُمُّوا لِأَجْلِهِ.
فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ.
عَطَفَتِ الْفَاءُ جُمْلَةَ فَذَبَحُوها عَلَى مُقَدَّرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ فَوَجَدُوهَا أَوْ فَظَفِرُوا بِهَا أَوْ
نَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ إِيجَازِ الْحَذْفِ الِاقْتِصَارِيِّ، وَلَمَّا نَابَ الْمَعْطُوفُ فِي الْمَوْقِعِ عَنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ صَحَّ أَنْ نَقُولَ الْفَاءُ فِيهِ لِلْفَصِيحَةِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ فِيهَا فَاءٌ لِلْفَصِيحَةِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إِنَّ فَاءَ الْفَصِيحَةِ مَا أَفْصَحَتْ عَنْ مُقَدَّرٍ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَوْلُهُ: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ تَعْرِيضٌ بِهِمْ بِذِكْرِ حَالٍ مِنْ سُوءِ تَلَقِّيهِمُ الشَّرِيعَةَ، تَارَةً بِالْإِعْرَاضِ وَالتَّفْرِيطِ، وَتَارَةً بِكَثْرَةِ التَّوَقُّفِ وَالْإِفْرَاطِ، وَفِيهِ تَعْلِيمٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِأُصُولِ التَّفَقُّهِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالْأَخْذُ بِالْأَوْصَافِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي مَعْنَى التَّشْرِيعِ دُونَ الْأَوْصَافِ الطَّرْدِيَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ ذَبَحُوا أَيَّةَ بَقَرَةٍ لَأَجْزَأَتْهُمْ وَلَكِنْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِمْ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوِ اعْتَرَضُوا أدنى بقرة فدبحوها لَكَفَتْهُمْ وَلَكِنْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ»
وَفِي سَنَدِهِ عُبَادَةُ بْنُ مَنْصُورٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَكَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى أَصْحَابَهُ عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ
وَقَالَ: «فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ»
وَبَيَّنَ لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ مَا يَفْعَلُهُ فِي شَأْنِهَا
فَقَالَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 556
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست