responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 568
نُزُولِ الْآيَةِ.
وَسَمَاعُهُمْ كَلَامَ اللَّهِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ هُوَ سَمَاعُ الْوَحْيِ بِوَاسِطَةِ الرَّسُولِ إِنْ كَانَ الْفَرِيقُ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا زَمَنَ مُوسَى أَوْ بِوَاسِطَةِ النَّقْلِ إِنْ كَانَ مِنَ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِ. أَمَّا سَمَاعُ كَلَامِ اللَّهِ مُبَاشَرَةً فَلَمْ يَقَعْ إِلَّا لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْفَرِيقِ جَمْعٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ دُونَ عَامَّتِهِمْ.
وَالتَّحْرِيفُ أَصْلُهُ مَصْدَرُ حَرَّفَ الشَّيْءَ إِذَا مَالَ بِهِ إِلَى الْحَرْفِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْخُرُوجَ عَنْ جَادَّةِ الطَّرِيقِ، وَلَمَّا شَاعَ تَشْبِيهُ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَالرُّشْدِ وَالْمَكَارِمِ بِالْجَادَّةِ وَبِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ شَاعَ فِي عَكْسِهِ تَشْبِيهُ مَا خَالَفَ ذَلِك بالانحراف وببينات الطَّرِيقِ. قَالَ الْأَشْتَرُ:
بَقَّيْتُ وَفْرِي وَانْحَرَفْتُ عَنِ الْعُلَا ... وَلَقِيتُ أَضْيَافِي بِوَجْهٍ عَبُوسِ
وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا التَّشْبِيهِ قَوْلُهُمْ: زَاغَ، وَحَادَ وَمَرَقَ، وَأَلْحَدَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الْحَج: 11] . فَالْمُرَادُ بِالتَّحْرِيفِ إِخْرَاجُ الْوَحْيِ وَالشَّرِيعَةِ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ، إِمَّا بِتَبْدِيلٍ وَهُوَ قَلِيلٌ وَإِمَّا بِكِتْمَانِ بَعْضٍ وَتَنَاسِيهِ وَإِمَّا بِالتَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ وَهُوَ أَكْثَرُ أَنْوَاعِ التَّحْرِيفِ.
وَقَوْلُهُ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ حَالٌ مِنْ فَرِيقٌ وَهُوَ قَيْدٌ فِي الْقَيْدِ يَعْنِي يَسْمَعُونَهُ ثُمَّ يَعْقِلُونَهُ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يُحَرِّفُونَ، وَأَنَّ قَوْمًا تَوَارَثُوا هَذِهِ الصِّفَةَ لَا يُطْمَعُ فِي
إِيمَانِهِمْ لِأَنَّ الَّذِينَ فَعَلُوا هَذَا إِمَّا أَنْ يَكُونُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ بَنِي عَمِّهِمْ فَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ خُلُقُهُمْ وَاحِدًا وَطِبَاعُهُمْ مُتَقَارِبَةً كَمَا قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً [نوح: 27] وَلِلْعَرَبِ وَالْحُكَمَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ مَرْجِعُهَا إِلَى أَنَّ الطِّبَاعَ تُورَثُ، وَلِذَلِكَ كَانُوا يَصِفُونَ الْقَبِيلَةَ بِصِفَاتِ جُمْهُورِهَا، أَوْ أَرَادَ بِالْفَرِيقِ عُلَمَاءَهُمْ وَأَحْبَارَهُمْ، فَالْمُرَادُ لَا طَمَعَ لَكُمْ فِي إِيمَانِ قَوْمٍ هَذِهِ صِفَاتُ خَاصَّتِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ فَكَيْفَ ظنكم بِصِفَات دهمائمهم لِأَنَّ الْخَاصَّةَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ هُمْ مَظْهَرُ مَحَامِدِهَا وَكَمَالَاتِهَا فَإِذَا بَلَغَتِ الْخَاصَّةُ فِي الِانْحِطَاطِ مَبْلَغًا شَنِيعًا فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَامَّةَ أَفْظَعُ وَأَشْنَعُ، وَأَرَادَ بِالْعَامَّةِ الْمَوْجُودِينَ مِنْهُمْ زَمَنَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عُلَمَاءُ إِلَّا أَنَّهُمْ كَالْعَامَّةِ فِي سُوءِ النَّظَرِ ووهن الْوَازِع.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 568
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست