responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 731
وَسَوَابِقِهِ وَهُوَ ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّ يَعْقُوبَ مَاتَ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ وَأَوْصَى بِهَا فَلَزِمَتْ ذُرِّيَّتَهُ، فَكَانَ مَوْقِعَ الْإِنْكَارِ عَلَى الْيَهُودِ وَاضِحًا وَهُوَ أَنَّهُمُ ادَّعُوا مَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِعِلْمِهِ إِذْ لَمْ يَشْهَدُوا كَمَا سَيَأْتِي، فَالْمَعْنَى مَا كُنْتُمْ شُهَدَاءَ احْتِضَارَ يَعْقُوبَ. ثمَّ أكمل الله الْقِصَّةَ تَعْلِيمًا وَتَفْصِيلًا وَاسْتِقْصَاءً فِي الْحُجَّةِ بِأَنْ ذَكَرَ مَا قَالَهُ يَعْقُوبُ حِينَ اخْتِصَارِهِ وَمَا أَجَابَهُ أبناؤه وَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَاخِلٍ فِي حَيِّزِ الْإِنْكَارِ، فَالْإِنْكَارُ يَنْتَهِي عِنْدَ قَوْلِهِ:
(الْمَوْتُ) وَالْبَقِيَّةُ تَكْمِلَةٌ لِلْقِصَّةِ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ ظَاهِرَةٌ اعْتِمَادًا عَلَى مَأْلُوفِ الِاسْتِعْمَالِ فِي مِثْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يُطَالُ فِيهِ الْمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ بِالْإِنْكَارِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ [الزخرف: 19] ، فَلَمَّا قَالَ هُنَا: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ، عَلِمَ السَّامِعُ مَوْقِعَ الْإِنْكَارِ، ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ أَبْنَاءِ يَعْقُوبَ نَعْبُدُ إِلهَكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ دَعْوَى الْيَهُودِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي حَيِّزِ الْإِنْكَارِ لِأَنَّهُمْ لَوِ ادَّعَوْا ذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ إِذْ هُوَ عَيْنُ الْمَقْصُودِ مِنَ الْخَبَرِ، وَبِذَلِكَ يَسْتَقِرُّ كِلَا الْكَلَامَيْنِ فِي قَرَارِهِ، وَلَمْ يَكُنْ دَاعٍ لِجَعْلِ (أَمْ) مُتَّصِلَةً بِتَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ قَبْلَهَا تَكُونُ هِيَ مُعَادِلَةً لَهُ، كَأَنْ يُقَدِّرَ أَكُنْتُمْ غَائِبِينَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ أَمْ شُهَدَاءَ وَأَنَّ الْخِطَابَ لِلْيَهُودِ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيرِ، وَلَا لِجَعْلِ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: كُنْتُمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى مَعْنَى جَعْلِ الِاسْتِفْهَامِ لِلنَّفْيِ الْمَحْضِ أَيْ مَا شَهِدْتُمُ احْتِضَارَ يَعْقُوبَ أَيْ عَلَى حَدٍّ وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ [الْقَصَص: 44] وَحَّدَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ [آل عمرَان: 44] كَمَا حَاوَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَمُتَابِعُوهُ، وَإِنَّمَا حَدَاهُ إِلَى ذَلِكَ قِيَاسُهُ عَلَى غَالِبِ مَوَاقِعِ اسْتِعْمَالِ أَمْثَالِ هَذَا التَّرْكِيبِ مَعَ أَنَّ مَوْقِعَهُ هُنَا مَوْقِعٌ غَيْرُ مَعْهُودٍ وَهُوَ مِنِ الْإِيجَازِ وَالْإِكْمَالِ إِذْ جَمَعَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ فِي التَّقَوُّلِ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدُوهُ، وَتَعْلِيمُهُمْ مَا جَهِلُوهُ، وَلِأَجْلِ التَّنْبِيهِ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ الْبَدِيعِ أُعِيدَتْ إِذْ فِي قَوْلِهِ: إِذْ قالَ لِبَنِيهِ لِيَكُونَ كَالْبَدَلِ مِنْ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ فَيَكُونُ مَقْصُودًا بِالْحُكْمِ أَيْضًا.
وَالشُّهَدَاءُ جَمْعُ شَهِيدٍ بِمَعْنَى الشَّاهِدِ أَيِ الْحَاضِرِ لِلْأَمْرِ وَالشَّأْنِ، وَوَجْهُ دَلَالَةِ نَفْيِ الْمُشَاهَدَةِ عَلَى نَفْيِ مَا نَسَبُوهُ إِلَى يَعْقُوبَ هُوَ أَنَّ تَنْبِيهَهُمْ إِلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا ذَلِكَ يُثِيرُ فِي نُفُوسِهِمُ الشَّكَّ فِي مُعْتَقَدِهِمْ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ هُوَ مِنْ بَقِيَّةِ الْقِصَّةِ الْمَنْفِيِّ شُهُودُ الْمُخَاطَبِينَ مَحْضَرَهَا فَهَذَا مِنْ مَجِيءِ الْقَوْلِ فِي الْمُحَاوَرَاتِ كَمَا قَدَّمْنَا، فَقَوْلُهُ: قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [الْبَقَرَة: 30] فَيَكُونُ الْكَلَامُ نَفْيًا لِشُهُودِهِمْ مَعَ إِفَادَةِ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ، أَيْ وَلَوْ شَاهَدْتُمْ
مَا اعْتَقَدْتُمْ خِلَافَهَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 731
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست