نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 100
ففيم التحول عنه؟ أي أنهم وجهوا المعول إلى أساس الثقة في نفوس المسلمين برصيدهم من ثواب الله، وقبل كل شيء في حكمة القيادة النبوية! ويبدو أن هذه الحملة الخبيثة الماكرة آتت ثمرتها الكريهة في بعض نفوس المسلمين. فأخذوا يسألون الرسول- صلى الله عليه وسلم- في قلق وزعزعة ويطلبون البراهين والأدلة، الأمر الذي لا يتفق مع الطمأنينة المطلقة إلى القيادة، والثقة المطلقة بمصدر العقيدة. فنزل القرآن يبين لهم أن نسخ بعض الأوامر والآيات يتبع حكمة الله الذي يختار الأحسن لعباده ويعلم ما يصلح لهم في كل موقف. وينبههم في الوقت ذاته إلى أن هدف اليهود هو ردهم كفاراً بعد إيمانهم حسداً من عند أنفسهم على اختيار الله لهم، واختصاصهم برحمته وفضله، بتنزيل الكتاب الأخير عليهم، وانتدابهم لهذا الأمر العظيم. ويكشف لهم ما وراء أضاليل اليهود من غرض دفين! ويفند دعواهم الكاذبة في أن الجنة من حقهم وحدهم. ويقص عليهم التهم المتبادلة بين فريقي أهل الكتاب إذ يقول اليهود: ليست النصارى على شيء، وتقول النصارى ليست اليهود على شيء وكذلك يقول المشركون عن الجميع! ثم يفظع نيتهم التي يخفونها من وراء قصة القبلة وهي منع الاتجاه إلى الكعبة بيت الله ومسجده الأول، ويعده منعا لمساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعياً في خرابها.
ويمضي السياق في هذا الدرس على هذا النحو، حتى ينتهي إلى أن يضع المسلمين وجهاً لوجه أمام الهدف الحقيقي لأهل الكتاب من اليهود والنصارى.. إنه تحويل المسلمين من دينهم إلى دين أهل الكتاب ولن يرضوا عن النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى يتبع ملتهم، وإلا فهي الحرب والكيد والدس إلى النهاية! وهذه هي حقيقة المعركة التي تكمن وراء الأباطيل والأضاليل، وتتخفى خلف الحجج والأسباب المقنعة!!! 104- «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا: راعِنا. وَقُولُوا: انْظُرْنا، وَاسْمَعُوا، وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ. ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ، وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ؟ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ. وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ، فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ، وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» ..
يتجه الخطاب في مطلع هذا الدرس إلى «الَّذِينَ آمَنُوا» يناديهم بالصفة التي تميزهم، والتي تربطهم بربهم ونبيهم، والتي تستجيش في نفوسهم الاستجابة والتلبية.
وبهذه الصفة ينهاهم أن يقولوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- «راعنا» - من الرعاية والنظر- وأن يقولوا بدلاً منها مرادفها في اللغة العربية: «انْظُرْنا» .. ويأمرهم بالسمع بمعنى الطاعة، ويحذرهم من مصير الكافرين وهو العذاب الأليم:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا: راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا. وَاسْمَعُوا. وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ» .
وتذكر الروايات أن السبب في ذلك النهي عن كلمة «راعِنا» .. أن سفهاء اليهود كانوا يميلون ألسنتهم
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 100