نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 102
أخرى من تعديل بعض الأوامر والتشريعات والتكاليف، التي كانت تتابع نمو الجماعة المسلمة، وأحوالها المتطورة. أم كانت خاصة بتعديل بعض الأحكام التي وردت في التوراة مع تصديق القرآن في عمومه للتوراة..
سواء كانت هذه أم هذه أم هذه، أم هي جميعاً المناسبة التي اتخذها اليهود ذريعة للتشكيك في صلب العقيدة..
فإن القرآن يبين هنا بياناً حاسماً في شأن النسخ والتعديل وفي القضاء على تلك الشبهات التي أثارتها يهود، على عادتها وخطتها في محاربة هذه العقيدة بشتى الأساليب.
فالتعديل الجزئي وفق مقتضيات الأحوال- في فترة الرسالة- هو لصالح البشرية، ولتحقيق خير أكبر تقتضيه أطوار حياتها. والله خالق الناس، ومرسل الرسل، ومنزل الآيات، هو الذي يقدر هذا. فإذا نسخ آية القاها في عالم النسيان- سواء كانت آية مقروءة تشتمل حكماً من الأحكام، أو آية بمعنى علامة وخارقة تجيء لمناسبة حاضرة وتطوى كالمعجزات المادية التي جاء بها الرسل- فإنه يأتي بخير منها أو مثلها! ولا يعجزه شيء. 107- وهو مالك كل شيء، وصاحب الأمر كله في السماوات وفي الأرض.. ومن ثم تجيء هذه التعقيبات:
«أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ؟ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ» ..
والخطاب هنا للمؤمنين يحمل رائحة التحذير، ورائحة التذكير بأن الله هو وليهم وناصرهم وليس لهم من دونه ولي ولا نصير ... 108- ولعل هذا كان بسبب انخداع بعضهم بحملة اليهود التضليلية وبلبلة أفكارهم بحججهم الخادعة وإقدامهم على توجيه أسئلة للرسول- صلى الله عليه وسلم- لا تتفق مع الثقة واليقين.
يدل على هذا ما جاء في الآية التالية من صريح التحذير والاستنكار:
«أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ؟ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ» ..
فهو استنكار لتشبه بعض المؤمنين بقوم موسى في تعنتهم، وطلبهم للبراهين والخوارق، وإعناتهم لرسولهم كلما أمرهم بأمر أو أبلغهم بتكليف، على نحو ما حكى السياق عنهم في مواضع كثيرة..
وهو تحذير لهم من نهاية هذا الطريق، وهي الضلال، واستبدال الكفر بالإيمان، وهي النهاية التي صار إليها بنو إسرائيل. 109- كما أنها هي النهاية التي يتمنى اليهود لو قادوا إليها المسلمين! «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً، حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ» ..
وذلك ما يفعله الحقد اللئيم بالنفوس.. الرغبة في سلب الخير الذي يهتدي إليه الآخرون..لماذا؟
لا لأن هذه النفوس الشريرة لا تعلم. ولكنها لأنها تعلم! «حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ» ..
والحسد هو ذلك الانفعال الأسود الخسيس الذي فاضت به نفوس اليهود تجاه الإسلام والمسلمين، ومازالت تفيض، وهو الذي انبعثت منه دسائسهم وتدبيراتهم كلها وما تزال. وهو الذي يكشفه القرآن للمسلمين ليعرفوه، ويعرفوا أنه السبب الكامن وراء كل جهود اليهود لزعزعة العقيدة في نفوسهم وردهم بعد ذلك إلى الكفر الذي كانوا فيه، والذي أنقذهم الله منه بالإيمان، وخصهم بهذا بأعظم الفضل وأجل النعمة التي تحسدهم عليها يهود! وهنا- في اللحظة التي تتجلى فيها هذه الحقيقة، وتنكشف فيها النية السيئة والحسد اللئيم- هنا يدعو القرآن المؤمنين إلى الارتفاع عن مقابلة الحقد بالحقد، والشر بالشر، ويدعوهم إلى الصفح والعفو حتى يأتي الله
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 102