نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 240
أي نكاح جديد بين المسلمين والمشركين- فأما ما كان قائماً بالفعل من الزيجات فقد ظل إلى السنة السادسة للهجرة حين نزلت في الحديبية آية سورة الممتحنة: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ. اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ. فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ. لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ» ..
«وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ... » ... فانتهت آخر الارتباطات بين هؤلاء وهؤلاء.
لقد بات حراماً أن ينكح المسلم مشركة، وأن ينكح المشرك مسلمة. حرام أن يربط الزواج بين قلبين لا يجتمعان على عقيدة. إنه في هذه الحالة رباط زائف واه ضعيف. إنهما لا يلتقيان في الله، ولا تقوم على منهجه عقدة الحياة. والله الذي كرم الإنسان ورفعه على الحيوان يريد لهذه الصلة ألا تكون ميلاً حيوانياً، ولا اندفاعاً شهوانياً. إنما يريد أن يرفعها حتى يصلها بالله في علاه ويربط بينها وبين مشيئته ومنهجه في نمو الحياة وطهارة الحياة.
ومن هنا جاء ذلك النص الحاسم الجازم:
«وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ» ..
فإذا آمنّ فقد زالت العقبة الفاصلة وقد التقى القلبان في الله وسلمت الآصرة الإنسانية بين الاثنين مما كان يعّوقها ويفسدها. سلمت تلك الآصرة، وقويت بتلك العقدة الجديدة: عقدة العقيدة.
«وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ» ..
فهذا الإعجاب المستمد من الغريزة وحدها، لا تشترك فيه مشاعر الإنسان العليا، ولا يرتفع عن حكم الجوارح والحواس. وجمال القلب أعمق وأغلى، حتى لو كانت المسلمة أمة غير حرة. فإن نسبها إلى الإسلام يرفعها عن المشركة ذات الحسب. إنه نسب في الله وهو أعلى الأنساب.
«وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا. وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ» ..
القضية نفسها تتكرر في الصورة الأخرى، توكيداً لها وتدقيقاً في بيانها والعلة في الأولى هي العلة في الثانية:
«أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ، وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ. وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» ..
إن الطريقين مختلفان، والدعوتين مختلفتان، فكيف يلتقي الفريقان في وحدة تقوم عليها الحياة؟
إن طريق المشركين والمشركات إلى النار، ودعوتهم إلى النار. وطريق المؤمنين والمؤمنات هو طريق الله.
والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه.. فما أبعد دعوتهم إذن من دعوة الله! ولكن أو يدعو أولئك المشركون والمشركات إلى النار؟ ومن الذي يدعو نفسه أو غيره إلى النار؟! ولكنها الحقيقة الأخيرة يختصر السياق إليها الطريق! ويبرزها من أولها دعوة إلى النار، بما أن مآلها إلى النار.
والله يحذر من هذه الدعوة المردية «وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» .. فمن لم يتذكر، واستجاب لتلك الدعوة فهو الملوم! هنا نتذكر أن الله لم يحرم زواج المسلم من كتابية- مع اختلاف العقيدة- ولكن الأمر هنا يختلف. إن المسلم والكتابية يلتقيان في أصل العقيدة في الله. وإن اختلفت التفصيلات التشريعية..
وهناك خلاف فقهي في حالة الكتابية التي تعتقد أن الله ثالث ثلاثة، أو أن الله هو المسيح بن مريم، أو أن العزير ابن الله.. أهي مشركة محرمة. أم تعتبر من أهل الكتاب وتدخل في النص الذي في المائدة: «الْيَوْمَ
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 240