responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 326
عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- أنه قال: لعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله، وشاهديه وكاتبه، وقال: «هم سواء» [1] ..
وكان هذا في العمليات الربوية الفردية. فأما في المجتمع الذي يقوم كله على الأساس الربوي فأهله كلهم ملعونون. معرضون لحرب الله. مطرودون من رحمته بلا جدال.
إنهم لا يقومون في الجياة ولا يتحركون إلا حركة الممسوس المضطرب القلق المتخبط الذي لا ينال استقراراً ولا طمأنينة ولا راحة.. وإذا كان هناك شك في الماضي أيام نشأة النظام الرأسمالي الحديث في القرون الأربعة الماضية، فإن تجربة هذه القرون لا تبقي مجالاً للشك أبداً..
إن العالم الذي نعيش فيه اليوم- في أنحاء الأرض- هو عالم القلق والاضطراب والخوف والأمراض العصبية والنفسية- باعتراف عقلاء أهله ومفكريه وعلمائه ودارسيه، وبمشاهدات المراقبين والزائرين العابرين لأقطار الحضارة الغربية.. وذلك على الرغم من كل ما بلغته الحضارة المادية، والإنتاج الصناعي في مجموعه من الضخامة في هذه الأقطار. وعلى الرغم من كل مظاهر الرخاء المادي التي تأخذ بالأبصار.. ثم هو عالم الحروب الشاملة والتهديد الدائم بالحروب المبيدة، وحرب الأعصاب، والاضطرابات التي لا تنقطع هنا وهناك! إنها الشقوة البائسة المنكودة، التي لا تزيلها الحضارة المادية، ولا الرخاء المادي، ولا يسر الحياة المادية وخفضها ولينها في بقاع كثيرة. وما قيمة هذا كله إذا لم ينشئ في النفوس السعادة والرضى والاستقرار والطمأنينة؟
إنها حقيقة تواجه من يريد أن يرى ولا يضع على عينيه غشاوة من صنع نفسه كي لا يرى! حقيقة أن الناس في أكثر بلاد الأرض رخاء عاماً.. في أمريكا، وفي السويد، وفي غيرهما من الأقطار التي تفيض رخاء مادياً.. أن الناس ليسوا سعداء.. أنهم قلقون يطل القلق من عيونهم وهم أغنياء! وأن الملل يأكل حياتهم وهم مستغرقون في الإنتاج! وأنهم يغرقون هذا الملل في العربدة والصخب تارة. وفي «التقاليع» الغريبة الشاذة تارة. وفي الشذوذ الجنسي والنفسي تارة. ثم يحسون بالحاجة إلى الهرب. الهرب من أنفسهم. ومن الخواء الذي يعشش فيها! ومن الشقاء الذي ليس له سبب ظاهر من مرافق الحياة وجريانها. فيهربون بالانتحار.
ويهربون بالجنون. ويهربون بالشذوذ! ثم يطاردهم شبح القلق والخواء والفراغ ولا يدعهم يستريحون أبداً! لماذا؟
السبب الرئيسي طبعاً هو خواء هذه الأرواح البشرية الهائمة المعذبة الضالة المنكودة- على كل ما لديها من الرخاء المادي- من زاد الروح.. من الإيمان.. من الاطمئنان إلى الله.. وخواؤها من الأهداف الإنسانية الكبيرة التي ينشئها ويرسمها الإيمان بالله، وخلافة الأرض وفق عهده وشرطه.
ويتفرع من ذلك السبب الرئيسي الكبير.. بلاء الربا.. بلاء الاقتصاد الذي ينمو ولكنه لا ينمو سوياً معتدلاً بحيث تتوزع خيرات نموه وبركاتها على البشرية كلها. إنما ينمو مائلاً جانحاً إلى حفنة الممولين المرابين، القابعين وراء المكاتب الضخمة في المصارف، يقرضون الصناعة والتجارة بالفائدة المحددة المضمونة ويجبرون الصناعة والتجارة على أن تسير في طريق معين ليس هدفه الأول سد مصالح البشر وحاجاتهم التي يسعد بها

[1] رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 326
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست