نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 363
مع ربهم وموقفهم مما ينزل على رسله. وهو بيان يحدد الموقف ويحسمه: فللإيمان علاماته التي لا تخطئ وللكفر علاماته التي لا شبهة فيها كذلك! «اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ. وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ» ...
«هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ، وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ» .
«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ- وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ- قائِماً بِالْقِسْطِ. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ..
«إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ. وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ. بَغْياً بَيْنَهُمْ. وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ» ..
كما أن هذا الدرس يحمل تهديداً، لا خفاء في أنه يتضمن تعريضاً باليهود. وذلك في قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ، وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ» .. فحين يذكر قتل الأنبياء يتجه الذهن مباشرة إلى اليهود! وكذلك النهي الوارد في قوله تعالى: «لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ... » إلخ. فالغالب أن المقصود به هم اليهود. وإن كان من الجائز أن يشمل المشركين أيضاً. فحتى هذا التاريخ كان بعض المسلمين لا يزالون يوالون أقاربهم من المشركين كما يوالون اليهود، فنهوا عن ذلك كله، وحذروا هذا التحذير العنيف.
سواء كان الأولياء من اليهود أو من المشركين. فكلهم سماهم «الْكافِرِينَ» ! وظاهر أن قوله تعالى: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا: سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ. قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا: فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ، يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ... » إلخ. تتضمن الإشارة إلى أحداث غزوة بدر، وأن الخطاب فيها موجه إلى اليهود. وقد وردت في هذا رواية عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما أصاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قريشاً يوم بدر، وقدم المدينة وجمع اليهود، وقال: أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشاً، قالوا: يا محمد: لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفراً من قريش أغماراً لا يعرفون القتال. إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا. فأنزل الله تعالى في ذلك: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ..- إلى قوله: - «فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- أي ببدر- وَأُخْرى كافِرَةٌ» .. (أخرجه أبو داود) .
كذلك يبدو من التلقين الموجه للرسول- صلى الله عليه وسلم- في آية: «فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ- وَمَنِ اتَّبَعَنِ- وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ: أَأَسْلَمْتُمْ؟ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ» .. أنه وإن كان هذا التلقين في صدد مناقشة حاضرة، إلا أنه تلقين عام شامل، ليواجه به النبي- صلى الله عليه وسلم- كل المخالفين له في العقيدة.
وظاهر من قوله تعالى: «وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ» أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- حتى ذلك الحين لم يكن مأموراً بقتال أهل الكتاب، ولا بأخذ الجزية منهم، مما يرجح ما ذهبنا إليه من نزول هذه الآيات في وقت مبكر.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 363