responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 370
يديه ولا من خلفه.. يجرون وراء المتشابه لأنهم يجدون فيه مجالاً لإيقاع الفتنة بالتأويلات المزلزلة للعقيدة، والاختلافات التي تنشأ عن بلبلة الفكر، نتيجة إقحامه فيما لا مجال للفكر في تأويله.. «وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ» ..
وأما الراسخون في العلم، الذين بلغ من علمهم أن يعرفوا مجال العقل وطبيعة التفكير البشري، وحدود المجال الذي يملك العمل فيه بوسائله الممنوحة له.. أما هؤلاء فيقولون في طمأنينة وثقة:
«آمَنَّا بِهِ، كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» ..
يدفعهم إلى هذه الطمأنينة، أنه من عند ربهم. فهو إذن حق وصدق. وما يقرره الله صادق بذاته. وليس من وظيفة العقل البشري ولا في طوقه أن يبحث عن أسبابه وعلله، كما أنه ليس في طوقه أن يدرك ماهيته وطبيعة العلل الكامنة وراءه.
والراسخون في العلم يطمئنون ابتداء إلى صدق ما يأتيهم من عند الله. يطمئنون إليه بفطرتهم الصادقة الواصلة..
ثم لا يجدون من عقولهم شكاً فيه كذلك لأنهم يدركون أن من العلم ألا يخوض العقل فيما لا مجال فيه للعلم، وفيما لا تؤهله وسائله وأدواته الإنسانية لعلمه..
وهذا تصوير صحيح للراسخين في العلم.. فما يتبجح وينكر إلا السطحيون الذين تخدعهم قشور العلم، فيتوهمون أنهم أدركوا كل شيء، وأن ما لم يدركوه لا وجود له أو يفرضون إدراكهم على الحقائق، فلا يسمحون لها بالوجود إلا على الصورة التي أدركوها. ومن ثم يقابلون كلام الله المطلق بمقررات عقلية لهم! صاغتها عقولهم المحدودة! أما العلماء حقاً فهم أكثر تواضعاً، وأقرب إلى التسليم بعجز العقل البشري عن إدراك حقائق كثيرة تكبر طاقته وترتفع عليها. كما أنهم أصدق فطرة فما تلبث فطرتهم الصادقة أن تتصل بالحق وتطمئن إليه.
«وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ» ..
وكأنه ليس بين أولي الألباب وإدراك الحق إلا أن يتذكروا.. فإذا الحق المستقر في فطرتهم الموصولة بالله، ينبض ويبرز ويتقرر في الألباب.
8- 9- عندئذ تنطلق ألسنتهم وقلوبهم في دعاء خاشع وفي ابتهال منيب: أن يثبتهم على الحق، وألا يزيغ قلوبهم بعد الهدى، وأن يسبغ عليهم رحمته وفضله.. ويتذكرون يوم الجمع الذي لا ريب فيه، والميعاد الذي لا خلف له:
«رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا. وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً. إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ. رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ. إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ» ..
هذا هو حال الراسخين في العلم مع ربهم وهو الحال اللائق بالإيمان المنبثق من الطمأنينة لقول الله ووعده والثقة بكلمته وعهده والمعرفة برحمته وفضله والإشفاق مع هذا من قضائه المحكم وقدره المغيب والتقوى والحساسية واليقظة التي يفرضها الإيمان على قلوب أهله، فلا تغفل ولا تغتر ولا تنسى في ليل أو نهار..
والقلب المؤمن يدرك قيمة الاهتداء بعد الضلال. قيمة الرؤية الواضحة بعد الغبش. قيمة الاستقامة على الدرب بعد الحيرة. قيمة الطمأنينة للحق بعد الأرجحة. قيمة التحرر من العبودية للعبيد بالعبودية لله وحده.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 370
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست