responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 371
قيمة الاهتمامات الرفيعة الكبيرة بعد اللهو بالاهتمامات الصغيرة الحقيرة.. ويدرك أن الله منحه بالإيمان كل هذا الزاد.. ومن ثم يشفق من العودة إلى الضلال، كما يشفق السائر في الدرب المستقيم المنير أن يعود إلى التخبط في المنعرجات المظلمة. وكما يشفق من ذاق نداوة الظلال أن يعود إلى الهجير القائظ والشواظ! وفي بشاشة الإيمان حلاوة لا يدركها إلا من ذاق جفاف الإلحاد وشقاوته المريرة. وفي طمأنينة الإيمان حلاوة لا يدركها إلا من ذاق شقوة الشرود والضلال! ومن ثم يتجه المؤمنون إلى ربهم بذلك الدعاء الخاشع:
«رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا» ..
وينادون رحمة الله التي أدركتهم مرة بالهدى بعد الضلال، ووهبتهم هذا العطاء الذي لا يعدله عطاء:
«وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً. إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ» ..
وهم بوحي إيمانهم يعرفون أنهم لا يقدرون على شيء إلا بفضل الله ورحمته. وأنهم لا يملكون قلوبهم فهي في يد الله.. فيتجهون إليه بالدعاء أن يمدهم بالعون والنجاة.
عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كثيراً ما يدعو: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» قلت: يا رسول الله، ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء. فقال: «ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن. إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه» ..
ومتى استشعر القلب المؤمن وقع المشيئة على هذا النحو لم يكن أمامه إلا أن يلتصق بركن الله في حرارة.
وأن يتشبث بحماه في إصرار، وأن يتجه إليه يناشده رحمته وفضله، لاستبقاء الكنز الذي وهبه، والعطاء الذي أولاه! 10- بعد هذا البيان يتجه إلى تقرير مصير الذين كفروا، وسنة الله التي لا تتخلف في أخذهم بذنوبهم، وإلى تهديد الذين يكفرون من أهل الكتاب، ويقفون لهذا الدين، ويلقن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن ينذرهم، ويذكرهم ما رأوه بأعينهم في غزوة بدر من نصر القلة المؤمنة على حشود الكافرين:
«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ. كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ. قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا. سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ. قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا: فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ، يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ، وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ» ..
إن هذه الآيات واردة في صدد خطاب بني إسرائيل، وتهديدهم بمصير الكفار قبلهم وبعدهم. وفيها لفتة لطيفة عميقة الدلالة كذلك.. فهو يذكرهم فيها بمصير آل فرعون.. وكان الله سبحانه قد أهلك آل فرعون وأنجى بني إسرائيل. ولكن هذا لا يمنحهم حقاً خاصاً إذا هم ضلوا وكفروا، ولا يعصمهم أن يوصموا بالكفر إذا هم انحرفوا، وأن ينالوا جزاء الكافرين في الدنيا والآخرة كما نال آل فرعون الذين أنجاهم الله منهم! كذلك يذكرهم مصارع قريش في بدر- وهم كفار- ليقول لهم: إن سنة الله لا تتخلف. وإنه لا يعصمهم عاصم من أن يحق عليهم ما حق على قريش. فالعلة هي الكفر. وليس لأحد على الله دالة، ولا له شفاعة إلا بالإيمان الصحيح!

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 371
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست