نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 382
أصحاب المذاهب المخالفة الدولة الرومانية المسيحية- بما فيهم من جاهروا بتوحيد الله تعالى وبشرية المسيح عليه السلام- وهؤلاء ممن يأمرون بالقسط.. كما أنه تهديد دائم لكل من يقع منه مثل هذا الصنيع البشع.. وكثير ما هم في كل زمان..
ويحسن أن نتذكر دائماً ماذا يعني القرآن بوصف «الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ» .. فليس المقصود فقط من يعلن كلمة الكفر. إنما يدخل في مدلول هذا الوصف من لا يقر بوحدة الألوهية، وقصر العبودية عليها. وهذا يتضمن بصراحة وحدة الجهة التي تصرّف حياة العباد بالتشريع والتوجيه والقيم والموازين.. فمن جعل لغير الله شيئاً من هذا ابتداء فهو مشرك به أو كافر بألوهيته. ولو قالها ألف مرة باللسان! وسنرى في الآيات التالية في السياق مصداق هذا الكلام..
23- «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ؟ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ، وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ. فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ، وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ؟ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» ..
إنه سؤال التعجيب والتشهير من هذا الموقف المتناقض الغريب. موقف الذين أوتوا نصيباً من الكتاب. وهو التوراة لليهود ومعها الإنجيل للنصارى. وكل منهما «نصيب» من الكتاب باعتبار أن كتاب الله هو كل ما أنزل على رسله، وقرر فيه وحدة ألوهيته ووحدة قوامته. فهو كتاب واحد في حقيقته، أوتي اليهود نصيباً منه، وأوتي النصارى نصيباً منه، وأوتي المسلمون الكتاب كله باعتبار القرآن جامعاً لأصول الدين كله، ومصدقاً لما بين يديه من الكتاب.. سؤال التعجيب من هؤلاء «الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ» .. ثم هم يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم في خلافاتهم، وليحكم بينهم في شؤون حياتهم ومعاشهم، فلا يستجيبون جميعاً لهذه الدعوة، إنما يتخلف فريق منهم ويعرض عن تحكيم كتاب الله وشريعته. الأمر الذي يتناقض مع الإيمان بأي نصيب من كتاب الله والذي لا يستقيم مع دعوى أنهم أهل كتاب:
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ؟» ..
هكذا يعجب الله من أهل الكتاب حين يعرض بعضهم- لا كلهم- عن الاحتكام إلى كتاب الله في أمور الاعتقاد وأمور الحياة. فكيف بمن يقولون: إنهم مسلمون، ثم يخرجون شريعة الله من حياتهم كلها. ثم يظلون يزعمون أنهم مسلمون! إنه مثل يضربه الله للمسلمين أيضاً كي يعلموا حقيقة الدين وطبيعة الإسلام ويحذروا أن يكونوا موضعاً لتعجيب الله وتشهيره بهم. فإذا كان هذا هو استنكار موقف أهل الكتاب الذين لم يدعوا الإسلام، حين يعرض فريق منهم عن التحاكم إلى كتاب الله، فكيف يكون الاستنكار إذا كان «الْمُسْلِمُونَ» هم الذين يعرضون هذا الإعراض.. إنه العجب الذي لا ينقضي، والبلاء الذي لا يقدر، والغضب الذي ينتهي إلى الشقوة والطرد من رحمة الله! والعياذ بالله! ثم يكشف عن علة هذا الموقف المستنكر المتناقض:
«ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ، وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ» ..
هذا هو السبب في الإعراض عن الاحتكام إلى كتاب الله والتناقض مع دعوى الإيمان ودعوى أنهم أهل كتاب.. إنه عدم الاعتقاد بجدية الحساب يوم القيامة، وجدية القسط الإلهي الذي لا يحابي ولا يميل. يتجلى
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 382