responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 405
البشر؟ وأهل الكتاب الذين كانوا يناظرون ويجادلون حول عيسى- بسبب مولده- ويصوغون حوله الأوهام والأساطير بسبب أنه نشأ من غير أب.. أهل الكتاب هؤلاء كانوا يقرون بنشأة آدم من التراب. وأن النفخة من روح الله هي التي جعلت منه هذا الكائن الإنساني.. دون أن يصوغوا حول آدم الأساطير التي صاغوها حول عيسى. ودون أن يقولوا عن آدم: إن له طبيعة لاهوتية. على حين أن العنصر الذي به صار آدم إنسانا هو ذاته العنصر الذي به ولد عيسى من غير أب: عنصر النفخة الإلهية في هذا وذاك! وإن هي إلا الكلمة:
«كُنْ» تنشئ ما تراد له النشأة «فَيَكُونُ» ! وهكذا تتجلى بساطة هذه الحقيقة.. حقيقة عيسى، وحقيقة آدم، وحقيقة الخلق كله. وتدخل إلى النفس في يسر وفي وضوح، حتى ليعجب الإنسان: كيف ثار الجدل حول هذا الحادث، وهو جار وفق السنة الكبرى. سنة الخلق والنشأة جميعاً! وهذه هي طريقة «الذِّكْرِ الْحَكِيمِ» في مخاطبة الفطرة بالمنطق الفطري الواقعي البسيط، في أعقد القضايا، التي تبدو بعد هذا الخطاب وهي اليسر الميسور! 60- وعند ما يصل السياق بالقضية إلى هذا التقرير الواضح يتجه إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- يثبته على الحق الذي معه، والذي يتلى عليه، ويؤكده في حسه كما يؤكده في حس من حوله من المسلمين، الذين ربما تؤثر في بعضهم شبهات أهل الكتاب، وتلبيسهم وتضليلهم الخبيث:
«الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ» ..
وما كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- ممترياً ولا شاكاً فيما يتلوه عليه ربه، في لحظة من لحظات حياته..
وإنما هو التثبيت على الحق، ندرك منه مدى ما كان يبلغه كيد أعداء الجماعة المسلمة من بعض أفرادها في ذلك الحين. كما ندرك منه مدى ما تتعرض له الأمة المسلمة في كل جيل من هذا الكيد وضرورة تثبيتها على الحق الذي معها في وجه الكائدين والخادعين ولهم في كل جيل أسلوب من أساليب الكيد جديد.
61- وهنا- وقد وضحت القضية وظهر الحق جلياً- يوجه الله تعالى رسوله الكريم إلى أن ينهي الجدل والمناظرة حول هذه القضية الواضحة وحول هذا الحق البين وأن يدعوهم إلى المباهلة كما هي مبينة في الآية التالية:
«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ- مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ- فَقُلْ: تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ، وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ. ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ» ..
وقد دعا الرسول- صلى الله عليه وسلم- من كانوا يناظرونه في هذه القضية إلى هذا الاجتماع الحاشد، ليبتهل الجميع إلى الله أن ينزل لعنته على الكاذب من الفريقين. فخافوا العاقبة وأبوا المباهلة. وتبين الحق واضحاً.
ولكنهم فيما ورد من الروايات لم يسلموا احتفاظاً بمكانتهم من قومهم، وبما كان يتمتع به رجال الكنيسة من سلطان وجاه ومصالح ونعيم!!! وما كانت البينة هي التي يحتاج إليها من يصدون عن هذا الدين إنما هي المصالح والمطامع والهوى يصد الناس عن الحق الواضح الذي لا خفاء فيه.
62- ثم يمضي التعقيب بعد الدعوة إلى المباهلة- وربما كانت الآيات التالية قد نزلت بعد الامتناع عنها- يقرر حقيقة الوحي، وحقيقة القصص، وحقيقة الوحدانية التي يدور حولها الحديث ويهدد من يتولى عن الحق ويفسد في الأرض بهذا التولي:
«إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ. وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ. وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ» .
والحقائق التي تقررها هذه النصوص سبق تقريرها. 63- وهي تذكر هنا للتوكيد بعد الدعوة إلى المباهلة وإبائها..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 405
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست