responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 406
إنما الجديد هو وصف الذين يتولون عن الحق بأنهم مفسدون، وتهديدهم بأن الله عليم بالمفسدين..
والفساد الذي يتولاه المعرضون عن حقيقة التوحيد فساد عظيم. وما ينشأ في الأرض الفساد- في الواقع- إلا من الحيدة عن الاعتراف بهذه الحقيقة. لا اعتراف اللسان. فاعتراف اللسان لا قيمة له. ولا اعتراف القلب السلبي. فهذا الاعتراف لا ينشئ آثاره الواقعية في حياة الناس.. إنما هي الحيدة عن الاعتراف بهذه الحقيقة بكل آثارها التي تلازمها في واقع الحياة البشرية.. وأول ما يلازم حقيقة التوحيد أن تتوحد الربوبية، فتتوحد العبودية.. لا عبودية إلا لله. ولا طاعة إلا لله. ولا تلقي إلا عن الله. فليس إلا لله تكون العبودية.
وليس إلا لله تكون الطاعة. وليس إلا عن الله يكون التلقي.. التلقي في التشريع، والتلقي في القيم والموازين، والتلقي في الآداب والأخلاق. والتلقي في كل ما يتعلق بنظام الحياة البشرية.. وإلا فهو الشرك أو الكفر.
مهما اعترفت الألسنة، ومهما اعترفت القلوب الاعتراف السلبي الذي لا ينشئ آثاره في حياة الناس العامة في استسلام وطاعة واستجابة وقبول.
إن هذا الكون بجملته لا يستقيم أمره ولا يصلح حاله، إلا أن يكون هناك إله واحد، يدبر أمره: و «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا» .. وأظهر خصائص الألوهية بالقياس إلى البشرية: تعبد العبيد والتشريع لهم في حياتهم، وإقامة الموازين لهم. فمن ادعى لنفسه شيئا من هذا كله فقد ادعى لنفسه أظهر خصائص الألوهية وأقام نفسه للناس إلها من دون الله.
وما يقع الفساد في الأرض كما يقع عند ما تتعدد الآلهة في الأرض على هذا النحو. عند ما يتعبد الناس الناس. عند ما يدعي عبد من العبيد أن له على الناس حق الطاعة لذاته وأن له فيهم حق التشريع لذاته وأن له كذلك حق إقامة القيم والموازين لذاته. فهذا هو ادعاء الألوهية ولو لم يقل كما قال فرعون: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى» ..
والإقرار به هو الشرك بالله أو الكفر به.. وهو الفساد في الأرض أقبح الفساد.
64- ومن ثم يتلو ذلك التهديد في السياق دعوة أهل الكتاب إلى كلمة سواء: إلى عبادة الله وحده، وعدم الإشراك به، وألا يتخذ الناس بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله.. وإلا فهي المفاصلة التي لا مصاحبة بعدها ولا مجادلة:
«قُلْ: يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» ..
وإنها لدعوة منصفة من غير شك. دعوة لا يريد بها النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يتفضل عليهم هو ومن معه من المسلمين.. كلمة سواء يقف أمامها الجميع على مستوى واحد. لا يعلو بعضهم على بعض، ولا يتعبد بعضهم بعضاً. دعوة لا يأباها إلا متعنت مفسد، لا يريد أن يفيء إلى الحق القويم.
إنها دعوة إلى عبادة الله وحده لا يشركون به شيئاً. لا بشراً ولا حجراً. ودعوة إلى ألا يتخذ بعضهم بعضاً من دون الله أرباباً. لا نبياً ولا رسولاً. فكلهم لله عبيد. إنما اصطفاهم الله للتبليغ عنه، لا لمشاركته في الألوهية والربوبية.
«فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» .
فإن أبوا عبادة الله وحده دون شريك. والعبودية لله وحده دون شريك. وهما المظهران اللذان يقرران موقف العبيد من الألوهية.. إن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون..
وهذه المقابلة بين المسلمين ومن يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، تقرر بوضوح حاسم من هم المسلمون.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 406
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست