نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 412
شكلياً.. فهو الجدل إذن لذات الجدل. وهو المراء الذي لا يسير على منهج، وهو الغرض إذن والهوى..
ومن كان هذا حاله فهو غير جدير بالثقة فيما يقول. بل غير جدير بالاستماع أصلا لما يقول! حتى إذا انتهى السياق من إسقاط قيمة جدلهم من أساسه، ونزع الثقة منهم ومما يقولون، عاد يقرر الحقيقة التي يعلمها الله. فهو- سبحانه- الذي يعلم حقيقة هذا التاريخ البعيد وهو الذي يعلم كذلك حقيقة الدين الذي نزله على عبده إبراهيم. وقوله الفصل الذي لا يبقى معه لقائل قول إلا أن يجادل ويماري بلا سلطان ولا دليل:
67- «ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا. وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً. وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ..
فيؤكد ما قرره من قبل ضمناً من أن إبراهيم- عليه السلام- ما كان يهودياً ولا نصرانياً. وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده. ويقرر أنه كان مائلاً عن كل ملة إلا الإسلام. فقد كان مسلماً.. مسلماً بالمعنى الشامل للإسلام الذي مر تفصيله وبيانه..
«وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ..
وهذه الحقيقة متضمنة في قوله قبلها «وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً» .. ولكن إبرازها هنا يشير إلى عدة من لطائف الإشارة والتعبير:
يشير أولاً إلى أن اليهود والنصارى- الذين انتهى أمرهم إلى تلك المعتقدات المنحرفة- مشركون.. ومن ثم لا يمكن أن يكون إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً. ولكن حنيفاً مسلماً! ويشير إلى أن الإسلام شيء والشرك شيء آخر. فلا يلتقيان. الإسلام هو التوحيد المطلق بكل خصائصه، وكل مقتضياته. ومن ثم لا يلتقي مع لون من ألوان الشرك أصلاً.
ويشير ثالثاً إلى إبطال دعوى المشركين من قريش كذلك أنهم على دين إبراهيم، وسدنة بيته في مكة..
فهو حنيف مسلم، وهم مشركون. «وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ! 68- وما دام أن إبراهيم- عليه السلام- كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين، فليس لأي من اليهود أو النصارى- أو المشركين أيضاً- أن يدعي وراثته، ولا الولاية على دينه، وهم بعيدون عن عقيدته.. والعقيدة هي الوشيجة الأولى التي يتلاقى عليها الناس في الإسلام. حين لا يلتقون على نسب ولا أرومة ولا جنس ولا أرض، إذا أنبتت تلك الوشيجة التي يتجمع عليها أهل الإيمان. فالإنسان في نظر الإسلام إنسان بروحه. بالنفخة التي جعلت منه إنساناً. ومن ثم فهو يتلاقى على العقيدة أخص خصائص الروح فيه. ولا يلتقي على مثل ما تلتقي عليه البهائم من الأرض والجنس والكلأ والمرعى والحد والسياج! والولاية بين فرد وفرد، وبين مجموعة ومجموعة، وبين جيل من الناس وجيل، لا ترتكن إلى وشيجة أخرى سوى وشيجة العقيدة. يتلاقى فيها المؤمن والمؤمن.
والجماعة المسلمة والجماعة المسلمة. والجيل المسلم والأجيال المسلمة من وراء حدود الزمان والمكان، ومن وراء فواصل الدم والنسب، والقوم والجنس ويتجمعون أولياء- بالعقيدة وحدها- والله من ورائهم ولي الجميع:
«إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَهذَا النَّبِيُّ، وَالَّذِينَ آمَنُوا. وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ» ..
فالذين اتبعوا إبراهيم- في حياته- وساروا على منهجه، واحتكموا إلى سنته هم أولياؤه. ثم هذا النبي الذي يلتقي معه في الإسلام بشهادة الله أصدق الشاهدين. ثم الذين آمنوا بهذا النبي- صلى الله عليه وسلم- فالتقوا
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 412