نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 432
في هذا الدرس تبلغ المعركة ذروتها. معركة الجدل والمناظرة مع أهل الكتاب. وهذه الآيات غير داخلة في نطاق مناظرة وفد نجران- كما ذكرت الروايات- ولكنها متساوقة معها، ومكملة لها، والموضوع واحد.
وإن كانت آيات هذا الدرس تتمحض للحديث عن اليهود خاصة، وتواجه كيدهم ودسهم للجماعة المسلمة في المدينة. وتنتهي إلى الحسم القاطع، والمفاصلة الكاملة. حيث يتجه السياق بعد جولة قصيرة في هذا الدرس إلى الجماعة المسلمة يخاطبها وحدها فيبين لها حقيقتها، ومنهجها، وتكاليفها. على نحو ما سار السياق في سورة البقرة بعد استيفاء الحديث عن بني إسرائيل.. وفي هذه الظاهرة تتشابه السورتان.
ويبدأ الدرس بتقرير أن كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل- إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة- ويبدو أن هذا التقرير كان رداً على اعتراض بني إسرائيل على إباحة القرآن لبعض المحرمات اليهودية من الطعام. مع أن هذه المحرمات إنما حرمت عليهم وحدهم، في صورة عقوبة على بعض مخالفاتهم.
ثم يرد كذلك على اعتراضهم على تحويل القبلة- ذلك الموضوع الذي استغرق مساحة واسعة في سورة البقرة من قبل- فيبين لهم أن الكعبة هي بيت إبراهيم وهي أول بيت وضع للناس في الأرض للعبادة، فالاعتراض عليه مستنكر ممن يدعون وراثة إبراهيم! وعقب هذا البيان يندد بأهل الكتاب لكفرهم بآيات الله، وصدهم عن سبيل الله ورفضهم الاستقامة، وميلهم إلى الخطة العوجاء، ورغبتهم في سيطرتها على الحياة، وهم يعرفون الحق ولا يجهلونه.
ومن ثم يدعو أهل الكتاب جملة ويتجه إلى الجماعة المسلمة، يحذرها طاعة أهل الكتاب.. فإنها الكفر..
ولا يليق بالمسلمين الكفر وكتاب الله يتلى عليهم، وفيهم رسوله يعلمهم. ويدعوهم إلى تقوى الله، والحرص على الإسلام حتى الوفاة ولقاء الله. ويذكرهم نعمة الله عليهم بتأليف قلوبهم، وتوحيد صفوفهم تحت لواء الإسلام، بعد ما كانوا فيه من فرقة وخصام، وهم يومئذ على شفا حفرة من النار أنقذهم منها الله بالإسلام.
ويأمرهم بأن يكونوا الأمة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، محافظة على تحقيق منهج الله، مع تحذيرهم الاستماع لدسائس أهل الكتاب فيهم، فيهلكوا بالفرقة كما تفرق هؤلاء فهلكوا في الدنيا والآخرة.. وتذكر الروايات أن هذا التحذير نزل بمناسبة فتنة معينة بين الأوس والخزرج قام بها اليهود.
ثم يعرّف الله المسلمين حقيقة مكانهم في هذه الأرض، وحقيقة دورهم في حياة البشر: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» .. فيدلهم بهذا على أصالة دورهم، وعلى سمة مجتمعهم..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 432