نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 433
يلي ذلك التهوين من شأن عدوهم فهم لن يضروهم في دينهم، ولن يظهروا عليهم ظهوراً تاماً مستقراً. إنما هو الأذى في جهادهم وكفاحهم، ثم النصر ما استقاموا على منهجهم. وهؤلاء الأعداء قد ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، بسبب ما اقترفوه من الآثام والمعصية وقتل الأنبياء بغير حق.. ويستثني من أهل الكتاب طائفة جنحت للحق، فآمنت، واتخذت منهج المسلمين منهجاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي في الخيرات.. «وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ» .. ويقرر مصير الذين كفروا فلم يجنحوا للإسلام فهم مأخوذون بكفرهم، لا تنفعهم أموال ينفقونها، ولا تغني عنهم أولاد، وعاقبتهم البوار.
وينتهي الدرس بتحذير الذين آمنوا من اتخاذ بطانة من دونهم، يودون لهم العنت، وتنفث أفواههم البغضاء، وما تخفي صدورهم أكبر، ويعضون عليهم الأنامل من الغيظ، ويفرحون لما ينزل بساحتهم من السوء ويسوؤهم الخير ينال المؤمنين.. ويعدهم الله بالكلاءة والحفظ من كيد هؤلاء الأعداء ما صبروا واتقوا «إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» ..
ويدل هذا التوجيه الطويل، المنوّع الإيحاءات، على ما كانت تعانيه الجماعة المسلمة حينذاك من كيد أهل الكتاب ودسهم في الصف المسلم وما كان يحدثه هذا الدس من بلبلة. كما أنه يشي بحاجة الجماعة إلى التوجيه القوي، كي يتم لها التميز الكامل، والمفاصلة الحاسمة، من كافة العلاقات التي كانت تربطها بالجاهلية وبأصدقاء الجاهلية! ثم يبقى هذا التوجيه يعمل في أجيال هذه الأمة، ويبقى كل جيل مطالباً بالحذر من أعداء الإسلام التقليديين.
وهم هم تختلف وسائلهم، ولكنهم لا يختلفون! 93- «كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ- إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ- قُلْ: فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» .
لقد كان اليهود يتصيدون كل حجة، وكل شبهة، وكل حيلة، لينفذوا منها إلى الطعن في صحة الرسالة المحمدية، وإلى بلبلة الأفكار وإشاعة الاضطراب في العقول والقلوب.. فلما قال القرآن: إنه مصدق لما في التوراة برزوا يقولون: فما بال القرآن يحلل من الأطعمة ما حرم على بني إسرائيل؟ وتذكر الروايات أنهم ذكروا بالذات لحوم الإبل وألبانها.. وهي محرمة على بني إسرائيل. وهناك محرمات أخرى كذلك أحلها الله للمسلمين.
وهنا يردهم القرآن إلى الحقيقة التاريخية التي يتجاهلونها للتشكيك في صحة ما جاء في القرآن من أنه مصدق للتوراة، وأنه مع هذا أحل للمسلمين بعض ما كان محرماً على بني إسرائيل.. هذه الحقيقة هي أن كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل- إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة- وإسرائيل هو يعقوب- عليه السلام- وتقول الروايات إنه مرض مرضاً شديداً، فنذر لله لئن عافاه ليمتنعن- تطوعاً- عن لحوم الإبل وألبانها وكانت أحب شيء إلى نفسه. فقبل الله منه نذره. وجرت سنة بني إسرائيل على اتباع أبيهم في تحريم ما حرم.. كذلك حرم الله على بني إسرائيل مطاعم أخرى عقوبة لهم على معصيات ارتكبوها. وأشير إلى هذه المحرمات في آية «الأنعام» : «وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 433