نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 436
فقط بعد هذا التاريخ.. وقد قلنا عند الكلام على مسألة تحويل القبلة في الجزء الثاني من الظلال: إن حجة الرسول- صلى الله عليه وسلم- لا دليل فيها على تأخر فرضية الحج. فقد تكون لملابسات معينة. منها أن المشركين كانوا يطوفون بالبيت عرايا، ما يزالون يفعلون هذا بعد فتح مكة. فكره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يخالطهم، حتى نزلت سورة براءة في العام التاسع، وحرم على المشركين الطواف بالبيت.. ثم حج- صلى الله عليه وسلم- حجته في العام الذي يليه.. ومن ثم فقد تكون فرضية الحج سابقة على ذلك التاريخ، ويكون نزول هذه الآية في الفترة الأولى من الهجرة بعد غزوة أحد أو حواليها.
وقد تقررت هذه الفريضة على كل حال بهذا النص القاطع، الذي يجعل لله- سبحانه- حق حج البيت على «النَّاسِ» من استطاع إليه سبيلا.
والحج مؤتمر المسلمين السنوي العام. يتلاقون فيه عند البيت الذي صدرت لهم الدعوة منه. والذي بدأت منه الملة الحنيفية على يد أبيهم إبراهيم. والذي جعله الله أول بيت في الأرض لعبادته خالصاً. فهو تجمع له مغزاه، وله ذكرياته هذه، التي تطوف كلها حول المعنى الكريم، الذي يصل الناس بخالقهم العظيم.. معنى العقيدة.
استجابة الروح لله الذي من نفخة روحه صار الإنسان إنساناً. وهو المعنى الذي يليق بالأناسي أن يتجمعوا عليه، وأن يتوافدوا كل عام إلى المكان المقدس الذي انبعث منه النداء للتجمع على هذا المعنى الكريم..
98- بعد هذا البيان يلقن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يتجه إلى أهل الكتاب بالتنديد والتهديد، على موقفهم من الحق الذي يعلمونه، ثم يصدون عنه، ويكفرون بآيات الله. وهم شهداء على صحتها، وهم من صدقها على يقين:
«قُلْ: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ، وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ؟ قُلْ: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ؟ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» ..
وقد تكرر مثل هذا التنديد في هذه السورة، وفي سور غيرها كثيرة. وأول ما يتركه هذا التنديد من أثر هو مجابهته أهل الكتاب بحقيقة موقفهم، ووصفهم بصفتهم، التي يدارونها بمظهر الإيمان والتدين، بينما هم في حقيقتهم كفار. فهم يكفرون بآيات الله القرآنية. ومن يكفر بشيء من كتاب الله فقد كفر بالكتاب كله.
ولو أنهم آمنوا بالنصيب الذي معهم لآمنوا بكل رسول جاء من عند الله بعد رسولهم. فحقيقة الدين واحدة.
من عرفها عرف أن كل ما يجيء به الرسل من بعد حق، وأوجب على نفسه الإسلام لله على أيديهم.. وهي حقيقة من شأنها أن تهزهم وأن تخوفهم عاقبة ما هم فيه.
ثم إن المخدوعين من الجماعة المسلمة بكون هؤلاء الناس أهل كتاب، يسقط هذا الخداع عنهم، وهم يرون الله- سبحانه- يعلن حقيقة أهل الكتاب هؤلاء، ويدمغهم بالكفر الكامل الصريح. فلا تبقى بعد هذا ريبة لمستريب.
وهو- سبحانه- يهددهم بما يخلع القلوب:
«وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ» .. «وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 436