نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 437
وهو تهديد رعيب، حين يحس إنسان أن الله يشهد عمله. وأنه ليس بغافل عنه. بينما عمله هو الكفر والخداع والإفساد والتضليل! 99- ويسجل الله تعالى عليهم معرفتهم بالحق الذي يكفرون به، ويصدون الناس عنه:
«وَأَنْتُمْ شُهَداءُ» ..
مما يجزم بأنهم كانوا على يقين من صدق ما يكذبون به، ومن صلاح ما يصدون الناس عنه. وهو أمر بشع مستنكر، لا يستحق فاعله ثقة ولا صحبة، ولا يستأهل إلا الاحتقار والتنديد! 100- ولا بد من وقفة أمام وصفة تعالى لهؤلاء القوم بقوله:
«لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً ... ؟»
إنها لفتة ذات مغزى كبير.. إن سبيل الله هو الطريق المستقيم. وما عداه عوج غير مستقيم. وحين يصد الناس عن سبيل الله وحين يصد المؤمنون عن منهج الله، فإن الأمور كلها تفقد استقامتها، والموازين كلها تفقد سلامتها، ولا يكون في الأرض إلا العوج الذي لا يستقيم.
إنه الفساد. فساد الفطرة بانحرافها. وفساد الحياة باعوجاجها.. وهذا الفساد هو حصيلة صد الناس عن سبيل الله، وصد المؤمنين عن منهج الله.. وهو فساد في التصور. وفساد في الضمير. وفساد في الخلق. وفساد في السلوك. وفساد في الروابط. وفساد في المعاملات. وفساد في كل ما بين الناس بعضهم وبعض من ارتباطات.
وما بينهم وبين الكون الذي يعيشون فيه من أواصر.. وإما أن يستقيم الناس على منهج الله فهي الاستقامة والصلاح والخير، وإما أن ينحرفوا عنه إلى أية وجهة فهو العوج والفساد والشر. وليس هنالك إلا هاتان الحالتان، تتعاوران حياة بني الإنسان: استقامة على منهج الله فهو الخير والصلاح، وانحراف عن هذا المنهج فهو الشر والفساد! 101- وحين يصل السياق إلى هذا الحد ينهي الجدل مع أهل الكتاب، ويغفل شأنهم كله. ويتجه إلى الجماعة المسلمة بالخطاب، والتحذير، والتنبيه والتوجيه. وبيان خصائص الجماعة المسلمة وقواعد منهجها وتصورها وحياتها وطبيعة وسائلها لتحقيق المنهج الذي ناطه الله بها:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ؟ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ..
لقد جاءت هذه الأمة المسلمة لتنشئ في الأرض طريقها على منهج الله وحده، متميزة متفردة ظاهرة. لقد انبثق وجودها ابتداء من منهج الله لتؤدي في حياة البشر دوراً خاصاً لا ينهض به سواها. لقد وجدت لإقرار منهج الله في الأرض، وتحقيقه في صورة عملية، ذات معالم منظورة، تترجم فيها النصوص إلى حركات وأعمال، ومشاعر وأخلاق، وأوضاع وارتباطات.
وهي لا تحقق غاية وجودها، ولا تستقيم على طريقها، ولا تنشئ في الأرض هذه الصورة الوضيئة الفريدة
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 437