نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 448
ثم لا بد من الإيمان أيضا ليملك الدعاة إلى الخير، الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر، أن يمضوا في هذا الطريق الشاق، ويحتملوا تكاليفه. وهم يواجهون طاغوت الشر في عنفوانه وجبروته، ويواجهون طاغوت الشهوة في عرامتها وشدتها، ويواجهون هبوط الأرواح، وكلل العزائم، وثقلة المطامع..
وزادهم هو الإيمان، وعدتهم هي الإيمان. وسندهم هو الله.. وكل زاد سوى زاد الإيمان ينفد. وكل عدة سوى عدة الإيمان تُفلّ، وكل سند غير سند الله ينهار! وقد سبق في السياق الأمر التكليفي للجماعة المسلمة أن ينتدب من بينها من يقومون بالدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما هنا فقد وصفها الله سبحانه بأن هذه صفتها. ليدلها على أنها لا توجد وجوداً حقيقياً إلا أن تتوافر فيها هذه السمة الأساسية، التي تعرف بها في المجتمع الإنساني. فإما أن تقوم بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- مع الإيمان بالله- فهي موجودة وهي مسلمة. وإما أن لا تقوم بشيء من هذا فهي غير موجودة، وغير متحققة فيها صفة الإسلام.
وفي القرآن الكريم مواضع كثيرة تقرر هذه الحقيقة، ندعها لمواضعها. وفي السنة كذلك طائفة صالحة من أوامر الرسول- صلى الله عليه وسلم- وتوجيهاته نقتطف بعضها:
عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» [1] وعن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم، فلم ينتهوا، فجالسوهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله تعالى قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وسليمان وعيسى بن مريم.. ثم جلس- وكان متكئاً- فقال: «لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً» [2] أي تعطفوهم وتردوهم.
وعن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم» [3] .
وعن عرس ابن عميرة الكندي- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كمن شهدها» [4] .
وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» .. «5»
وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «سيد الشهداء حمزة. ورجل قام إلى سلطان جائر، فأمره ونهاه، فقتله» [6] ..
وغيرها كثير.. وكلها تقرر أصالة هذه السمة في المجتمع المسلم، وضروراتها لهذا المجتمع أيضاً. وهي تحتوي مادة توجيه وتربية منهجية ضخمة. وهي إلى جانب النصوص القرآنية زاد نحن غافلون عن قيمته وعن حقيقته [7] ثم نعود إلى الشطر الآخر من الآية الأولى في هذه المجموعة.. [1] أخرجه مسلم. [2] أخرجه أبو داود والترمذي. [3] أخرجه الترمذي. [4] أخرجه أبو داود.
(5) أخرجه أبو داود والترمذي. [6] رواه الحاكم والضياء عن جابر رضي الله عنه. [7] يراجع بتوسع كتاب: «قبسات من الرسول» لمحمد قطب فصل: «قبل أن تدعوا فلا أجيب» . دار الشروق.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 448