نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 449
«وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ. مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ» ..
وهو ترغيب لأهل الكتاب في الإيمان. فهو خير لهم. خير لهم في هذه الدنيا، يستعصمون به من الفرقة والهلهلة التي كانوا عليها في تصوراتهم الاعتقادية، والتي ما تزال تحرمهم تجمع الشخصية. إذ تعجز هذه التصورات عن أن تكون قاعدة للنظام الاجتماعي لحياتهم، فتقوم أنظمتهم الاجتماعية- من ثم- على غير أساس، عرجاء أو معلقة في الهواء ككل نظام اجتماعي لا يقوم على أساس اعتقادي شامل، وعلى تفسير كامل للوجود، ولغاية الوجود الإنساني، ومقام الإنسان في هذا الكون.. وخير لهم في الآخرة يقيهم ما ينتظر غير المؤمنين من مصير.
ثم هو بيان كذلك لحالهم، لا يبخس الصالحين منهم حقهم:
«مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ» ..
وقد آمن من أهل الكتاب جماعة وحسن إسلامهم. منهم عبد الله بن سلام، وأسد بن عبيد، وثعلبة بن شعبة، وكعب بن مالك.. وإلى هؤلاء تشير الآية هنا بالإجمال- وفي آية تالية بالتفصيل- أما الأكثرون فقد فسقوا عن دين الله، حين لم يفوا بميثاق الله مع النبيين: أن يؤمن كل منهم بأخيه الذي يجيء بعده، وأن ينصره. وفسقوا عن دين الله وهم يأبون الاستسلام لإرادته في إرسال آخر الرسل من غير بني إسرائيل، واتباع هذا الرسول وطاعته والاحتكام إلى آخر شريعة من عند الله، أرادها للناس أجمعين.
112- ولما كان بعض المسلمين ما يزالون على صلات منوعة باليهود في المدينة، ولما كانت لليهود حتى ذلك الحين قوة ظاهرة: عسكرية واقتصادية يحسب حسابها بعض المسلمين، فقد تكفل القرآن بتهوين شأن هؤلاء الفاسقين في نفوس المسلمين، وإبراز حقيقتهم الضعيفة بسبب كفرهم وجرائمهم وعصيانهم، وتفرقهم شيعاً وفرقاً، وما كتب الله عليهم من الذلة والمسكنة.
«لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً، وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ، ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ، ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا- إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ- وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ، وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ» .
بهذا يضمن الله للمؤمنين النصر وسلامة العاقبة، ضمانة صريحة حيثما التقوا بأعدائهم هؤلاء، وهم معتصمون بدينهم وربهم في يقين:
«لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً. وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ» ..
112- فلن يكون ضرراً عميقاً ولا أصيلاً يتناول أصل الدعوة، ولن يؤثر في كينونة الجماعة المسلمة، ولن يجليها من الأرض.. إنما هو الأذى العارض في الصدام، والألم الذاهب مع الأيام.. فأما حين يشتبكون مع المسلمين في قتال، فالهزيمة مكتوبة عليهم- في النهاية- والنصر ليس لهم على المؤمنين، ولا ناصر لهم كذلك ولا عاصم من المؤمنين.. ذلك أنه قد «ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ» وكتبت لهم مصيراً. فهم في كل أرض يذلون، لا تعصمهم إلا ذمة الله وذمة المسلمين- حين يدخلون في ذمتهم فتعصم دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وتنيلهم الأمن والطمأنينة- ولم تعرف يهود منذ ذلك الحين الأمن إلا في ذمة المسلمين. ولكن يهود لم تعاد أحداً في الأرض عداءها للمسلمين! .. «وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ» .. كأنما رجعوا من رحلتهم يحملون هذا الغضب. «وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ» تعيش في ضمائرهم وتكمن في مشاعرهم..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 449