responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 469
نجدهما في أوانهما المناسب، وفي جوهما المناسب حيث يلقيان كل إيقاعاتهما، وكل إيحاءاتهما، في الموعد المناسب وقد تهيأت القلوب للتلقي والاستجابة والانطباع.. ويتبين- من هذين النصين التمهيديين- كيف يتولى القرآن استحياء القلوب وتوجيهها وتربيتها بالتعقيب على الأحداث، وهي ساخنة! ويتبين الفرق بين رواية القرآن للأحداث وتوجيهها، وبين سائر المصادر التي قد تروي الأحداث بتفصيل أكثر ولكنها لا تستهدف القلب البشري، والحياة البشرية، بالإحياء والاستجاشة، وبالتربية والتوجيه. كما يستهدفها القرآن الكريم، بمنهجه القويم.
123- هكذا يبدأ الحديث عن المعركة التي لم ينتصر فيها المسلمون- وقد كادوا- وهي قد بدأت بتغليب الاعتبارات الشخصية على العقيدة عند المنافق عبد الله بن أبي وتابعه في حركته أتباعه الذين غلبوا اعتباره الشخصي على عقيدتهم. وبالضعف الذي كاد يدرك طائفتين صالحتين من المسلمين. ثم انتهت بالمخالفة عن الخطة العسكرية تحت مطارق الطمع في الغنيمة! فلم تغن النماذج العالية التي تجلت في المعركة، عن المصير الذي انتهت إليه، بسبب ذلك الخلل في الصف، وبسبب ذلك الغبش في التصور..
وقبل أن يمضي في الاستعراض والتعقيب على أحداث المعركة التي انتهت بالهزيمة، يذكرهم بالمعركة التي انتهت بالنصر- معركة بدر- لتكون هذه أمام تلك، مجالاً للموازنة وتأمل الأسباب والنتائج ومعرفة مواطن الضعف ومواطن القوة، وأسباب النصر وأسباب الهزيمة. ثم- بعد ذلك- ليكون اليقين من أن النصر والهزيمة كليهما قدر من أقدار الله لحكمة تتحقق من وراء النصر كما تتحقق من وراء الهزيمة سواء. وأن مرد الأمر في النهاية إلى الله على كلا الحالين، وفي جميع الأحوال:
«وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ- وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ- فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ؟ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا، يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ. وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ، وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ. وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ- لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ- أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ. وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»
..
والنصر في بدر كان فيه رائحة المعجزة- كما أسلفنا- فقد تم بغير أداة من الأدوات المادية المألوفة للنصر.
لم تكن الكفتان فيها- بين المؤمنين والمشركين- متوازنتين ولا قريبتين من التوازن. كان المشركون حوالي ألف، خرجوا نفيراً لاستغاثة أبي سفيان، لحماية القافلة التي كانت معه، مزودين بالعدة والعتاد، والحرص على الأموال، والحمية للكرامة. وكان المسلمون حوالي ثلاثمائة، لم يخرجوا لقتال هذه الطائفة ذات الشوكة، إنما خرجوا لرحلة هينة. لمقابلة القافلة العزلاء وأخذ الطريق عليها فلم يكن معهم- على قلة العدد- إلا القليل من العدة. وكان وراءهم في المدينة مشركون لا تزال لهم قوتهم، ومنافقون لهم مكانتهم، ويهود يتربصون بهم.. وكانوا هم بعد ذلك كله قلة مسلمة في وسط خضم من الكفر والشرك في الجزيرة. ولم تكن قد زالت عنهم بعد صفة أنهم مهاجرون مطاردون من مكة، وأنصار آووا هؤلاء المهاجرين ولكنهم ما يزالون نبتة غير مستقرة في هذه البيئة! فبهذا كله يذكرهم الله- سبحانه- ويرد ذلك النصر إلى سببه الأولى في وسط هذه الظروف:

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 469
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست