نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 468
«وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» ..
ويا له من مشهد، الله حاضره! ويا له من موقف، الله شاهده! ويا لها من رهبة إذن ومن روعة تحف به، وتخالط كل ما دار فيه من تشاور. والسرائر مكشوفة فيه لله. وهو يسمع ما تقوله الألسنة ويعلم ما تهمس به الضمائر.
122- واللمسة الثانية في هذا المشهد الأول، هي حركة الضعف والفشل التي راودت قلوب طائفتين من المسلمين بعد تلك الحركة الخائنة التي قام بها رأس النفاق «عبد الله بن أبي بن سلول» حين انفصل بثلث الجيش، مغضبا أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- لم يأخذ برأيه، واستمع إلى شباب أهل المدينة! وقال: «لو نعلم قتالاً لاتبعناكم!» فدل بهذا على أن قلبه لم يخلص للعقيدة وأن شخصه ما يزال يملأ قلبه، ويطغى في ذلك القلب على العقيدة.. العقيدة التي لا تحتمل شركة في قلب صاحبها، ولا تطيق لها فيه شريكاً! فإما أن يخلص لها وحدها، وإما أن تجانبه هي وتجتويه! «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا، وَاللَّهُ وَلِيُّهُما، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» ..
وهاتان الطائفتان- كما ورد في الصحيح- من حديث سفيان بن عيينة- هما بنو حارثة وبنو سلمة. أثرت فيهما حركة عبد الله بن أبيّ، وما أحدثته من رجة في الصف المسلم، من أول خطوة في المعركة. فكادتا تفشلان وتضعفان. لولا أن أدركتهما ولاية الله وتثبيته، كما أخبر هذا النص القرآني:
«وَاللَّهُ وَلِيُّهُما» ..
قال عمر- رضي الله عنه- سمعت جابر بن عبد الله يقول: فينا نزلت: «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا» .. قال: نحن الطائفتان.. بنو حارثة وبنو سلمة.. وما نحب (أو وما يسرني) أنها لم تنزل، لقوله تعالى: «وَاللَّهُ وَلِيُّهُما» .. (رواه البخاري ومسلم) ..
وهكذا يكشف الله المخبوء في مكنونات الضمائر والذي لم يعلمه إلا أهله، حين حاك في صدورهم لحظة ثم وقاهم الله إياه، وصرفه عنهم، وأيدهم بولايته، فمضوا في الصف.. يكشفه لاستعادة أحداث المعركة، واستحياء وقائعها ومشاهدها. ثم.. لتصوير خلجات النفوس، وإشعار أهلها حضور الله معهم، وعلمه بمكنونات ضمائرهم- كما قال لهم: «وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» - لتوكيد هذه الحقيقة وتعميقها في حسهم. ثم لتعريفهم كيف كانت النجاة وإشعارهم عون الله وولايته ورعايته حين يدركهم الضعف، ويدب فيهم الفشل، ليعرفوا أين يتوجهون حين يستشعرون شيئاً من هذا وأين يلتجئون. ومن ثم يوجههم هذا الوجه الذي لا وجه غيره للمؤمنين:
«وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» ..
على وجه القصر والحصر.. على الله وحده فليتوكل المؤمنون. فليس لهم- إن كانوا مؤمنين- إلا هذا السند المتين.
وهكذا نجد في الآيتين الأوليين، اللتين يستحضر بهما القرآن مشهد المعركة وجوها، هذين التوجيهين الكبيرين الأساسيين في التصور الإسلامي، وفي التربية الإسلامية:
«وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» ..
«وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 468