نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 494
فلا يمنحهم الله النصر أبداً، حتى يبتليهم فيتمحصوا ويتمحضوا.. وهذا ما يريد القرآن أن يجلوه للجماعة المسلمة بهذه الإشارة إلى موقفهم في المعركة، وهذا ما أراد الله- سبحانه- أن يعلمه للجماعة المسلمة، وهي تتلقى الهزيمة المريرة والقرح الأليم ثمرة لهذا الموقف المضطرب المتأرجح! «مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ» ..
والقرآن يسلط الأضواء على خفايا القلوب، التي ما كان المسلمون أنفسهم يعرفون وجودها في قلوبهم..
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما كنت أرى أن أحداً من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يريد الدنيا، حتى نزل فينا يوم أحد: «مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ» [1] .. وبذلك يضع قلوبهم أمامهم مكشوفة بما فيها ويعرفهم من أين جاءتهم الهزيمة ليتقوها! وفي الوقت ذاته يكشف لهم عن طرف من حكمة الله وتدبيره وراء هذه الآلام التي تعرضوا لها ووراء هذه الأحداث التي وقعت بأسبابها الظاهرة:
«ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ» ..
لقد كان هناك قدر الله وراء أفعال البشر. فلما أن ضعفوا وتنازعوا وعصوا صرف الله قوتهم وبأسهم وانتباههم عن المشركين، وصرف الرماة عن ثغرة الجبل، وصرف المقاتلين عن الميدان، فلاذوا بالفرار..
وقع كل هذا مرتباً على ما صدر منهم ولكن مدبراً من الله ليبتليهم.. ليبتليهم بالشدة والخوف والهزيمة والقتل والقرح وما يتكشف عنه هذا كله من كشف مكنونات القلوب، ومن تمحيص النفوس، وتمييز الصفوف- كما سيجيء.
وهكذا تقع الأحداث مرتبة على أسبابها، وهي في الوقت ذاته مدبرة بحسابها. بلا تعارض بين هذا وذاك.
فلكل حادث سبب، ووراء كل سبب تدبير.. من اللطيف الخبير..
«وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ» ..
عفا عما وقع منكم من ضعف ومن نزاع ومن عصيان وعفا كذلك عما وقع منكم من فرار وانقلاب وارتداد.. عفا عنكم فضلاً منه ومنة، وتجاوزاً عن ضعفكم البشري الذي لم تصاحبه نية سيئة ولا إصرار على الخطيئة.. عفا عنكم لأنكم تخطئون وتضعفون في دائرة الإيمان بالله، والاستسلام له، وتسليم قيادكم لمشيئته:
«وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» ..
ومن فضله عليهم أن يعفو عنهم، ما داموا سائرين على منهجه، مقرين بعبوديتهم له لا يدعون من خصائص الألوهية شيئاً لأنفسهم، ولا يتلقون نهجهم ولا شريعتهم ولا قيمهم، ولا موازينهم إلا منه.. فإذا وقعت منهم الخطيئة وقعت عن ضعف وعجز أو عن طيش ودفعة.. فيتلقاهم عفو الله بعد الابتلاء والتمحيص والخلاص..
153- ويستحضر صورة الهزيمة حية متحركة:
«إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ» .. [1] رواه ابن كثير في التفسير وقال: روي من غير وجه عن ابن مسعود. ورواه ابن مردويه في تفسيره.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 494