نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 498
ويحدثهم الله أن رحمته أدركتهم، فلم يدع الشيطان ينقطع بهم، فعفا عنهم.. ويعرفهم بنفسه- سبحانه- فهو غفور حليم. لا يطرد الخطاة ولا يعجل عليهم متى علم من نفوسهم التطلع إليه، والاتصال به ولم يعلم منها التمرد والتفلت والإباق! 156- ويتم السياق بيان حقيقة قدر الله في الموت والحياة، وزيف تصورات الكفار والمنافقين عن هذا الأمر، منادياً الذين آمنوا بالتحذير من أن تكون تصوراتهم كتصورات هؤلاء. ويردهم في النهاية إلى قيم أخرى وإلى اعتبارات ترجح الآلام والتضحيات:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا، وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ- إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى-: لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا. لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ. وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ. وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ» ..
وظاهر من مناسبة هذه الآيات في سياق المعركة، أن هذه كانت أقوال المنافقين الذين رجعوا قبل المعركة، والمشركين من أهل المدينة الذين لم يدخلوا في الإسلام ولكن ما تزال بين المسلمين وبينهم علاقات وقرابات..
وأنهم اتخذوا من مقاتل الشهداء في أحد، مادة لإثارة الحسرة في قلوب أهليهم، واستجاشة الأسى على فقدهم في المعركة- نتيجة لخروجهم- ومما لا شك فيه أن مثل هذه الفتنة والمواجع دامية مما يترك في الصف المسلم الخلخلة والبلبلة. ومن ثم جاء هذا البيان القرآني لتصحيح القيم والتصورات، ورد هذا الكيد إلى نحور كائديه.
إن قول الكافرين: «لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا» .. ليكشف عن الفارق الأساسي في تصور صاحب العقيدة وتصور المحروم منها، للسنن التي تسير عليها الحياة كلها وأحداثها: سراؤها وضراؤها.. إن صاحب العقيدة مدرك لسنن الله، متعرف إلى مشيئة الله، مطمئن إلى قدر الله. إنه يعلم أن يصيبه إلا ما كتب الله له، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه. ومن ثم لا يتلقى الضراء بالجزع، ولا يتلقى السراء بالزهو، ولا تطير نفسه لهذه أو لتلك ولا يتحسر على أنه لم يصنع كذا ليتقي كذا، أو ليستجلب كذا، بعد وقوع الأمر وانتهائه! فمجال التقدير والتدبير والرأي والمشورة، كله قبل الإقدام والحركة فأما إذا تحرك بعد التقدير والتدبير- في حدود علمه وفي حدود أمر الله ونهيه- فكل ما يقع من النتائج، فهو يتلقاه بالطمأنينة والرضى والتسليم موقناً أنه وقع وفقاً لقدر الله وتدبيره وحكمته وأنه لم يكن بد أن يقع كما وقع ولو أنه هو قدم أسبابه بفعله! .. توازن بين العمل والتسليم، وبين الإيجابية والتوكل، يستقيم عليه الخطو، ويستريح عليه الضمير.. فأما الذي يفرغ قلبه من العقيدة في الله على هذه الصورة المستقيمة، فهو أبداً مستطار، أبداً في قلق! أبداً في «لو» و «لولا» و «يا ليت» و «وا أسفاه» ! والله- في تربيته للجماعة المسلمة، وفي ظلال غزوة أحد وما نال المسلمين فيها- يحذرهم أن يكونوا كالذين كفروا. أولئك الذين تصيبهم الحسرات، كلما مات لهم قريب وهو يضرب في الأرض ابتغاء الرزق، أو قتل في ثنايا المعركة وهو يجاهد:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى: لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا» ..
يقولونها لفساد تصورهم لحقيقة ما يجري في الكون، ولحقيقة القوة الفاعلة في كل ما يجري. فهم لا يرون إلا الأسباب الظاهرة والملابسات السطحية، بسبب انقطاعهم عن الله، وعن قدره الجاري في الحياة.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 498