نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 499
«لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ» ..
فإحساسهم بأن خروج إخوانهم ليضربوا في الأرض في طلب الرزق فيموتوا، أو ليغزوا ويقاتلوا فيقتلوا..
إحساسهم بأن هذا الخروج هو علة الموت أو القتل، يذهب بأنفسهم حسرات أن لم يمنعوهم من الخروج! ولو كانوا يدركون العلة الحقيقية وهي استيفاء الأجل، ونداء المضجع، وقدر الله، وسنته في الموت والحياة، ما تحسروا. ولتلقوا الابتلاء صابرين، ولفاءوا إلى الله راضين:
«وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ» ..
فبيده إعطاء الحياة، وبيده استرداد ما أعطى، في الموعد المضروب والأجل المرسوم، سواء كان الناس في بيوتهم وبين أهلهم، أو في ميادين الكفاح للرزق أو للعقيدة. وعنده الجزاء، وعنده العوض، عن خبرة وعن علم وعن بصر:
«وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ..» ..
157- على أن الأمر لا ينتهي بالموت أو القتل فهذه ليست نهاية المطاف. وعلى أن الحياة في الأرض ليست خير ما يمنحه الله للناس من عطاء. فهناك قيم أخرى، واعتبارات أرقى في ميزان الله:
«وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ- فِي سَبِيلِ اللَّهِ- أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ. وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ» ..
فالموت أو القتل في سبيل الله- بهذا القيد، وبهذا الاعتبار- خير من الحياة، وخير مما يجمعه الناس في الحياة من أعراضها الصغار: من مال ومن جاه ومن سلطان ومن متاع. خير بما يعقبه من مغفرة الله ورحمته، وهي في ميزان الحقيقة خير مما يجمعون. وإلى هذه المغفرة وهذه الرحمة يكل الله المؤمنين.. إنه لا يكلهم- في هذا المقام- إلى أمجاد شخصية، ولا إلى اعتبارات بشرية. إنما يكلهم إلى ما عند الله، ويعلق قلوبهم برحمة الله. وهي خير مما يجمع الناس على الإطلاق، وخير مما تتعلق به القلوب من أعراض..
158- وكلهم مرجوعون إلى الله، محشورون إليه على كل حال. ماتوا على فراشهم أو ماتوا وهم يضربون في الأرض، أو قتلوا وهم يجاهدون في الميدان. فما لهم مرجع سوى هذا المرجع وما لهم مصير سوى هذا المصير.. والتفاوت إذن إنما يكون في العمل والنية وفي الاتجاه، والاهتمام.. أما النهاية فواحدة: موت أو قتل في الموعد المحتوم، والأجل المقسوم. ورجعة إلى الله وحشر في يوم الجمع والحشر.. ومغفرة من الله ورحمة، أو غضب من الله وعذاب.. فأحمق الحمقى من يختار لنفسه المصير البائس. وهو ميت على كل حال! بذلك تستقر في القلوب حقيقة الموت والحياة، وحقيقة قدر الله. وبذلك تطمئن القلوب إلى ما كان من ابتلاء جرى به القدر وإلى ما وراء القدر من حكمة، وما وراء الابتلاء من جزاء.. وبذلك تنتهي هذه الجولة في صميم أحداث المعركة، وفيما صاحبها من ملابسات..
159- ثم يمضي السياق القرآني في جولة جديدة. جولة محورها شخص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحقيقته النبوية الكريمة وقيمة هذه الحقيقة الكبيرة في حياة الأمة المسلمة ومدى ما يتجلى فيها من رحمة الله بهذه الأمة.. وحول هذا المحور خيوط أخرى من المنهج الإسلامي في تنظيم حياة الجماعة المسلمة، وأسس هذا التنظيم ومن التصور الإسلامي والحقائق التي يقوم عليها، ومن قيمة هذا التصور وذلك المنهج في حياة البشرية بصفة عامة:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 499