responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 545
إياه، وتدرك غاية وجوده، وعلة نشأته، وقوام فطرته. بالإلهام الذي يصل بين القلب البشري ونواميس هذا الوجود.
ومشهد السماوات والأرض، ومشهد اختلاف الليل والنهار. لو فتحنا له بصائرنا وقلوبنا وإدراكنا. لو تلقيناه كمشهد جديد تتفتح عليه العيون أول مرة. لو استنقذنا حسنا من همود الإلف، وخمود التكرار..
لارتعشت له رؤانا، ولا هتزت له مشاعرنا، ولأحسسنا أن وراء ما فيه من تناسق لا بد من يد تنسق ووراء ما فيه من نظام لا بد من عقل يدبر ووراء ما فيه من إحكام لا بد من ناموس لا يتخلف.. وأن هذا كله لا يمكن أن يكون خداعاً، ولا يمكن أن يكون جزافاً، ولا يمكن أن يكون باطلاً.
ولا ينقص من اهتزازنا للمشهد الكوني الرائع أن نعرف أن الليل والنهار، ظاهرتان ناشئتان من دورة الأرض حول نفسها أمام الشمس. ولا أن تناسق السماوات والأرض مرتكز إلى «الجاذبية» أو غير الجاذبية.. هذه فروض تصح أو لا تصح، وهي في كلتا الحالتين لا تقدم ولا تؤخر في استقبال هذه العجيبة الكونية، واستقبال النواميس الهائلة الدقيقة التي تحكمها وتحفظها.. وهذه النواميس- أياً كان اسمها عند الباحثين من بني الإنسان- هي آية القدرة، وآية الحق، في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار.
والسياق القرآني هنا يصور خطوات الحركة النفسية التي ينشئها استقبال مشهد السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار في مشاعر أولي الألباب تصويراً دقيقاً، وهو في الوقت ذاته تصوير إيحائي، يلفت القلوب إلى المنهج الصحيح، في التعامل مع الكون، وفي التخاطب معه بلغته، والتجاوب مع فطرته وحقيقته، والانطباع بإشاراته وإيحاءاته. ويجعل من كتاب الكون المفتوح كتاب «معرفة» للإنسان المؤمن الموصول بالله، وبما تبدعه يد الله [1] .
وإنه يقرن ابتداء بين توجه القلب إلى ذكر الله وعبادته: «قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ» .. وبين التفكر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار.. فيسلك هذا التفكر مسلك العبادة، ويجعله جانباً من مشهد الذكر.. فيوحي بهذا الجمع بين الحركتين بحقيقتين هامتين.
الحقيقة الأولى: أن التفكر في خلق الله، والتدبر في كتاب الكون المفتوح، وتتبع يد الله المبدعة، وهي تحرك هذا الكون، وتقلب صفحات هذا الكتاب.. هو عبادة لله من صميم العبادة، وذكر لله من صميم الذكر. ولو اتصلت العلوم الكونية، التي تبحث في تصميم الكون، وفي نواميسه وسننه، وفي قواه ومدخراته، وفي أسراره وطاقاته.. لو اتصلت هذه العلوم بتذكر خالق هذا الكون وذكره، والشعور بجلاله وفضله.
لتحولت من فورها إلى عبادة لخالق هذا الكون وصلاة. ولاستقامت الحياة- بهذه العلوم- واتجهت إلى الله.
ولكن الاتجاه المادي الكافر، يقطع ما بين الكون وخالقه، ويقطع ما بين العلوم الكونية والحقيقة الأزلية الأبدية ومن هنا يتحول العلم- أجمل هبة من الله للإنسان- لعنة تطارد الإنسان، وتحيل حياته إلى جحيم منكرة، وإلى حياة قلقة مهددة، وإلى خواء روحي يطارد الإنسان كالمارد الجبار! 191- والحقيقة الثانية: أن آيات الله في الكون، لا تتجلى على حقيقتها الموحية، إلا للقلوب الذاكرة العابدة.
وأن هؤلاء الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم- وهم يتفكرون في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار- هم الذين تتفتح لبصائرهم الحقائق الكبرى المنطوية في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل

[1] كتاب خصائص التصور الإسلامي ومقوماته «فكرة الإسلام عن الله والكون والحياة والإنسان» . «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 545
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست